تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج ٢ - الصفحة ٣
كانت في سنة ستين ومأتين فإذا أضيف إليها أحد عشر من البعثة يوافق ذلك.
الثالث: أن يكون المراد جميع اعداد كل (الر) يكون في القرآن وهي خمس مجموعها الف ومأة وخمسة وخمسون ثم ذكر وجهين آخرين واستبعدهما تركناهما حذرا من الإطالة والاطناب وهذا آخر ما نقلناه من كلامه رحمه الله.
وقال تلميذه المحدث المحقق المولى أبو الحسن بن محمدطاهر العاملي رحمه الله بعد نقل كلامه رحمه الله: ولقد أجاد في إفادة المراد بما لا يتطرق إليه المزاد الا ان فيه بعض ما ينبغي ذكره فاعلم أن قوله عليه السلام في حديث المخزومي ان ولادة النبي كانت في سنة مأة وثلث من الألف السابع موافق بحسب الواقع لما ضبطه أكثر أهل الزيجات والتواريخ المضبوطة وإن كان بحسب الظاهر موهما للمخالفة فان الذي ضبطه الأكثر ان عمر آدم كان الف سنة الا سبعين كما يظهر من كثير من اخبارنا أيضا وان من وفات آدم إلى الطوفان كان ألفا وثلاثماءة سنة وكسرا، ومن الطوفان إلى مولد إبراهيم عليه السلام كان ألفا وثمانين وكسرا ومن مولد إبراهيم عليه السلام إلى وفات موسى عليه السلام كان خمسمأة سنة وكسرا ومن وفات موسى عليه السلام إلى مبدء ملك بخت نصر كان تسعمأة سنة وكسرا وقيل سبعمأة وكسرا وان بين ملك بخت نصر ومولد النبي صلى الله عليه وآله كان ألفا سنة وعشر سنين ما سوى الكسورات المذكورة، فبين في الحديث انها ثلث وتسعون سنة وكذا لو بنى على قول من قال بان ما بين وفات موسى وملك بخت نصر كان سبعمأة وكسرا يمكن تصحيح الحساب بأنه يكون مجموع ما بين خلق آدم إلى ولادة النبي صلى الله عليه وآله على هذا الحساب خمسة آلاف سنة وثمانمأة وكسرا كما صرح به بعضهم أيضا بان هذا كله على حساب السنين الشمسية فيكون بالقمرية المضبوط بالشهور العربية ستة آلاف سنة وكسرا.
ففي الحديث المذكور أيضا صرح عليه السلام بان ذلك الكسر مأة وثلث سنين مع قطع النظر عن الشمسية والقمرية نقول أيضا إذا كان على هذا الحساب عدد الألوف خمسة والمأة المعلومة ثمانية بقيت الكسور التي بين هذه التواريخ غير معلومة فربما يكون جميعها ثلاثمائة وثلث سنين كما أخبر الإمام عليه السلام ويؤيده تصريح بعض المؤرخين بان من هبوط آدم إلى مولد النبي صلى الله عليه وآله ستة آلاف سنة ومأة وثلاث وستون فافهم.
واعلم أيضا ان مراد شيخنا رحمه الله بقوله في تطبيق ألم الله على خروج الحسين عليه السلام وإنما كان شيوع امره يعنى امر النبي صلى الله عليه وآله بعد سنتين من البعثة دفع ما يرد على ذلك من أن ما بين مبدء البعثة إلى خروج الحسين عليه السلام كان ثلثا وسبعين سنة فزيد حينئذ سنتان، ولعله رحمه الله لم يحتج إلى هذا التكلف مع بعده بل كان له ان يجعل مبنى الحساب على السنين الشمسية فان خروجه عليه السلام كان في آخر سنة ستين من الهجرة بحساب سنين القمرية فيصير من البعثة إليها بحساب الشمسية واحدة وسبعين سنة كما هو ظاهر على الماهر وكأنه رحمه الله لم يتوجه إلى هذا التوجيه لأنه لا يجرى فيما سيأتي في تاريخ قيام القائم عليه السلام فتأمل.
ثم اعلم أيضا ان الوجه الأول الذي ذكره طاب مرقده في التفصي عما استشكله في كون المص تاريخ قيام قائم بنى العباس وجه جيد، لكن لم يكن له حاجة إلى أن يتكلف بجعل تاريخ القيام زمان ظهور أمرهم بل إن جعل تاريخ ذلك زمان أصل ظهور دعوتهم في خراسان وبدو خروج قائمهم والأعوان أعني أبا مسلم المروزي لتم الكلام أيضا حق التمام فان أصل ظهور تلك الدعوة على ما صرح به هو أيضا أخيرا كان في سنة مأة وسبع عشرة من الهجرة من ولادة النبي صلى الله عليه وآله إلى الهجرة كان ثلثا وخمسين سنة تقريبا بالسنين القمرية وتلك بعد اخراج التفاوت الذي يحصل بسبب اختلاف اشهر الولادة والبعثة والهجرة وغيرها وتحويلها إلى السنين الشمسية تصير مأة وواحدة وستين سنة تقريبا.
واما توجيهه رضي الله عنه بما وجهه به حديث رحمة بن صدقة أيضا من كون مبنى الحساب على عدد الصاد ستين كما هو عند المغاربة فهو وإن كان حاسما لمادة الاشكال في الخبرين جميعا الا انه بعيد من كليهما من وجوه غير خفية.
منها: تصريح الامام فيهما معا بان الصاد تسعون والحمل على اشتباه النساخ في كل منهما لا سيما في الخبر الذي يستلزم ان يقال بالاشتباه في كلمتين كما هو ظاهر مما يرتفع باحتماله الاعتماد على مضامين الاخبار والوثوق بها.
على أنه يمكن توجيه حديث رحمة أيضا بنوع لا يحتاج إلى القول بهذا الاشتباه مع البناء على ما في أكثر النسخ (يعنى من كتاب معاني الأخبار) أعني كون ثلثين بدل ستين كما هو الأنسب بالنسبة إلى عجز الحديث إذ لا كلام في أن دخول المسودة الكوفة كان عند انقضاء سنة مأة واحدى وثلثين من الهجرة، والتوجيه ان يقال لعل الإمام عليه السلام في ذلك الحديث عد أولا عدد حساب الحروف بقوله الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون ثم قال كم معك؟ حتى يقول الرجل مأة وواحد وستون فيخبره بمبدء ظهور امر بنى العباس على وفق حديث أبي لبيد لكن الرجل توهم في الحساب والجواب فقال: مأة واحدى وثلاثون وكان ذلك أيضا موافقا ليوم دخول المسودة الكوفة إذا حوسب من الهجرة فأقره الإمام عليه السلام على خطائه ولم يخبره بتوهمه حيث كان ذلك الذي ذكره أيضا من أيام فناء أصحابه بل أشدها عليهم فأخبره بما أحرق قلبه على وفق جوابه أيضا فافهم وتأمل جيدا حتى تعلم أن ما ذكره شيخنا المتقدم طاب ثراه في آخر توجيه حديث رحمة من أن استقامة ما ذكره من التوجيه إذا بنى على البعثة وقد أشار إلى مثله بما في حديث أبي لبيد أيضا ليس على ما ينبغي بل المعنى يستقيم حينئذ إذا حوسب من الهجرة كما صرح الراوي في آخر الحديث ونص عليه أهل التواريخ أيضا فتأمل.
واعلم أيضا ان الأظهر في الوجوه التي ذكرها رحمه الله في توجيه قيام القائم عليه السلام الوجه الثاني فان في أكثر النسخ المعتبرة ضبط (المر) بدل (الر) مع كونه حينئذ على نسق ما تقدم عليه في كون الجميع (ألم) وربما يكون نظم القرآن أيضا كذلك عند أهل البيت أن يكون (المر) قبل (الر) ولا بعد أيضا في التعبير عن امامة القائم عليه السلام بقيامه هذا ما خطر بالبال والله وحججه اعلم بحقايق الأحوال. (انتهى).