جديرة بالبحث والمقارنة، فكيف وكلها مجتمعة فيه هيأت له مكانا رفيعا، وجعلته نجما لامعا مرموقا في المجتمع الإسلامي في كافة أقطاره وأمصاره. ونابغة من كبار النوابغ في العلوم كافة - وفي علم الحديث خاصة - لا سيما وقد حصل له من العناية الإلهية، والتوفيقات الصمدانية الشئ الكثير، وحظي بأساتذة فحول كبار، أخلصوا في تثقيفه وتعليمه وتوجيهه وإرشاده، فهل مثل الحافظ العراقي حافظ الحديث ونابغة، وهو أستاذه فيه. أو مثل إبراهيم بن أحمد التنوخي أستاذ القراءات والحائز قصب السبق فيه، وقد قرأ عليه ابن حجر هذا الفن قراءة متقنة. وكذلك قرأ على الحافظ الهيثمي. وهو كما عرفناه نابغة في الحديث وسعة الاطلاع وكثرة المحفوظات لمتون الأحاديث واستحضارها، وقرأ على ابن الملقن وقد كان آية من آيات الله واسع الاطلاع، كثير التصانيف، حاضر البديهة، دقيق الملاحظة، وتحصل اللغة العربية على المجد الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط في اللغة العربية، وغيرهم، هؤلاء الحفاظ الكبار تأثر بهم تأثرا كبيرا ظهر ذلك جليا في مؤلفاته العديدة الكثيرة، وبعد أن قام بواجبه في هذه الحياة الدنيا خير قيام، ناداه ربه فاستجاب لندائه، وفاضت روحه المطمئنة إلى ربها راضية بلقائه ليلة السبت المسفرة عن اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وخمسين وثمانمائة هجرية - 852 - وشيعته القاهرة كلها في موكب مهيب إلى مثواه الأخير باكية حزينة، ودفن بالقرافة بالقاهرة بالقرب من الليث بن سعد، وقد قوبل نعيمه في الإفطار الإسلامية الأخرى بوجوم وحزن عميقين، بكوا فيه مادة العلم الغزيرة والنبوغ والحفظ والذكاء المنقطع النظير. متضرعين إلى الله بأن يسبغ على جدثه شآبيب الرحمة والرضوان، ويكرمه في دار كرامته بالحسنى وزيادة.
إن كتاب " نصب الراية " ومختصره " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " حظى الأول برعاية واهتمام الزيلعي، وحظي الثاني بنشاط ودقة ملاحظة ابن حجر، وتكلمنا على ترجمتيهما باختصار، وعلى مزايا كتابيهما، فقد أردنا بعد الاعتماد على الله والاشكال عليه وحده أن نشارك بقدر الاستطاعة والإمكان في وضع تعليق على الدراية، فخرجنا الكثير من الأحاديث واستوعبنا ذكر مخرجيها وعزوناها إليهم ممن لم يذكرهم ابن حجر. وذكرنا أسباب الضعف وأشرنا أيضا إلى الراجح الذي يوجبه الدليل، رائدنا في كل ذلك تبيان الحقيقة، والسير وراء الدليل بقوة، كما أننا صححنا في طبعتنا هذه الأغلاط التي وجدناها في الطبعة الهندية