بنوع خاص، وهكذا عاش طول حياته حريصا على الإفادة والاستفادة درسا ودراسة وتأليفا وعبادة وتقى، حتى وافته منيته في القاهرة في الحادي عشر من المحرم سنة اثنين وستين وسبعمائة - 762 - هجرية في وقت كان العالم الإسلامي في أشد الحاجة إلى فضله وعلمه، ومواهبه الفذة وعبقرية النادرة، وانتشر نعيه في العالم الإسلامي كله بسرعة البرق، وكان هذا النعي شديدا عليهم لدرجة كبيرة، بكوا فيه الأخلاق الفاضلة، والمزايا الرفيعة، سقى الله جدثه من وابل رحمته، ونور ضريحه.
2 - والحافظ ابن حجر الذي اختصر كتاب " نصب الراية " وسماه " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " لم يخرج عن دائرة تفكير الزيلعي في تأليف كتابه، ومشى معه في نفس الطريق، سوى الاختصار في العبارات وحذفها، ومن قارن بين الكتابين يقضى العجب من براعة ابن حجر في الاختصار الذي لم يخل بأصل الكتاب، ولا عجب فمن عرف ابن حجر وحفظه وحذفه وذكاءه الخارق وسعة اطلاعه، وسرعة قراءته المركزة واستيعابه مطالعة دواوين كثيرة من كتب السنة لم يطلع على كثير منها إلا الأفراد، عرف أنه ابن بجدتها، والحائز قصب السبق في هذا المضمار. وابن حجر كما يظهر من تأليفه هذا أراد أن ينتفع به أكبر عدد ممكن من الناس. الأمر الذي جعلنا نجزم بأنه هو الآخر يحمل روحا رياضية صافية وضاءة يمشى مع الحق. متأثرا به إلى حد كبير، شأنه في ذلك شأن من يحكم كتاب الله وسنة رسوله، ويجعلهما قدوته وإمامه.
وأما الحافظ ابن حجر مؤلف " الدراية كنا نترجم له ترجمة موجزة، فإننا نقف أمام شخصيته الفذة، موقف الإكبار والإجلال. فهو الإمام الحافظ الجليل أحمد بن علي ابن محمد بن حجر العسقلاني. المولود في مصر القديمة سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة - 773 - هجرية، كان ملء السمع والبصر في زمانه، ولا يزال اسمه غضا طريا يذكره العلماء والطلاب في كثير من الجامعات والمعاهد والمدارس والمساجد، فلا ندري من أي ناحية نبتدئ، وأمامنا نواح ضخمة هيأت له هذه الشهرة الواسعة النطاق التي طبقت الخافقين، فالذكاء الوقاد، والحافظة الواعية، والنشاط الموصول، وسعة الاطلاع، وجمال النفس، وصفاء الذهن، ولطافة الحس، ورقه العاطفة، وجمال الأسلوب وجزالته، ودقة الملاحظة، وقراءته المنظمة المركزة مع السرعة الفائقة، وجودة الفهم. كل صفة من هذه الصفات