1 - الزيلعي: الذي خرج أحاديث الهداية تخريجا واسعا متقنا على طريقة الحفاظ الأجلاء المحدثين، وتكلم على الأحاديث جرحا وتعديلا بما يتفق وأصول الحديث، بنزاهة وإخلاص وإنصاف، غير متأثر إلا بالحق والحق وحده، فهو بعمله هذا قد أثلج صدور المنصفين بإقامة الدلائل على مسائل الفقه، والرجوع بها إلى منابعها الأصلية:
كتاب الله العظيم، وسنة رسوله الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، ولفت النظر إلى أن الأصل في دراسة الحديث النبوي الشريف، هو الاهتداء بهدى الرسول والعمل بما يقتضيه الدليل، لأن هذه هي الثمرة التي يجنيها المتدين الذي يخشى أن يقدم أحدا بين يدي الله ورسوله، فالرسول الأعظم وحده هو المطاع والمقدم. لأن طاعته من طاعة الله، وغيره تبعا له إذا أطاعه، فلا خير إلا دعا إليه، ولا شر إلا حذر منه.
أما الحافظ الزيلعي صاحب الأصل مؤلف كتاب " نصب الراية " فهو الإمام الجليل أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي - نسبة إلى زيلع - البلدة المعروفة، تفقه ودرس على كبار العلماء، دراسة متقنة منظمة وبرع. وأدام النظر والتحصيل والاشتغال.
وطلب الحديث واعتنى به اعتناءا خاصا أكسبته شهرة واسعة وجعلته نجما مرموقا في الأوساط العلمية على اختلاف أنواعها، لقد كان موضع إعجاب وتقدير كل من عرفه، فهذه كتب التراجم والطبقات تصفه بأنه كان نابغة واسع الاطلاع، سمح النفس، لطيف الحس، يحمل روحا رياضية صافية مشرقة، متواضعا أليفا محبوبا، اجتمع مع بعض الحفاظ الفحول الأجلاء من علماء عصره، للمطالعة والدراسة والاستفادة والمذاكرة، ومنهم الحافظ العراقي، ولعمر الله إن هذا التواضع، وكبح جماح النفس عن أهوائها، والحرص على النفع والانتفاع مهما كان مصدره، دلائل على سمو نفسه، ورفعه شأنه، ونضوج عقله وتفكيره. وهذا الحافظ ابن حجر يصفه في الدرر الكامنة فيقول: ذكر لي - شيخا العراقي - أنه كان يرافقه في مطالعة الكتب الحديثية، لتخريج الكتب التي كانا قد اعتنيا بتخريجها، فالعراقي لتخريج أحاديث الإحياء، والأحاديث التي يشير إليها الترمذي في الباب، والزيلعي لتخريج أحاديث الهداية فكرة وضاءة عن متانة خلق الحافظ الزيلعي، وبالتالي عن عبقرية الفذة ونبوغه، وقد ظهر ذلك جليا واضحا في تحصيله للعلوم - والحديث منها