شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٢٤
وآله إلا استحلفته عليه، أليس هذا اتهاما لهم بالكذب! وما استثنى أحدا من المسلمين إلا أبا بكر على ما ورد في الخبر، وقد صرح غير مرة بتكذيب أبي هريرة، وقال: لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وآله. وقال أبو بكر في مرضه الذي مات فيه: وددت إني لم أكشف بيت فاطمة ولو كان أغلق على حرب، فندم والندم لا يكون إلا عن ذنب.
ثم ينبغي للعاقل أن يفكر في تأخر علي عليه السلام عن بيعه أبى بكر ستة أشهر إلى إن ماتت فاطمة، فإن كان مصيبا فأبو بكر على الخطأ في انتصابه في الخلافة، وإن كان أبو بكر مصيبا فعلى على الخطأ في تأخره عن البيعة وحضور المسجد، ثم قال أبو بكر في مرض موته أيضا للصحابة: فلما استخلفت عليكم خيركم في نفسي - يعنى عمر - فكلكم ورم لذلك أنفه يريد ان يكون الامر له، لما رأيتم الدنيا قد جاءت، أما والله لتتخذن ستائر الديباج ونضائد الحرير (1). أليس هذا طعنا في الصحابة، وتصريحا بأنه قد نسبهم إلى الحسد لعمر، لما نص عليه بالعهد! ولقد قال له طلحة لما ذكر عمر للامر: ماذا تقول لربك إذا سألك عن عباده، وقد وليت عليهم فظا غليظا!
فقال أبو بكر: أجلسوني أجلسوني، بالله تخوفني! إذا سألني قلت: وليت عليهم خير أهلك، ثم شتمه بكلام كثير منقول، فهل قول طلحة إلا طعن في عمر، وهل قول أبى بكر إلا طعن في طلحة!
ثم الذي كان بين أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود من السباب حتى نفى كل واحد منهما الاخر عن أبيه وكلمه أبي بن كعب مشهورة منقولة: ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا نبيهم، وقوله: ألا هلك أهل العقيدة، والله ما آسى عليهم إنما آسى على من يضلون من الناس.

(1) الكامل للمبرد 1: 7.
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»
الفهرست