شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٩
وذلك أنه صلى الله عليه وآله قد أوجب قطع السارق وضرب القاذف، وجلد البكر إذا زنى، وإن كان من المهاجرين أو الأنصار، ألا ترى إنه قال: لو سرقت فاطمة لقطعتها، فهذه ابنته، الجارية مجرى نفسه، لم يحابها في دين الله، ولا راقبها في حدود الله، وقد جلد أصحاب الإفك، ومنهم مسطح بن أثاثة، وكان من أهل بدر.
قال: وبعد، فلو كان محل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله محل من لا يعادي إذا عصى الله سبحانه ولا يذكر بالقبيح، بل يجب أن يراقب لأجل اسم الصحبة، ويغضي عن عيوبه وذنوبه، لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثناؤه في القرآن لما اتبع هواه، فانسلخ مما أوتى من الآيات وغوى، قال سبحانه: ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين﴾ (1)، ولكان ينبغي أن يكون محل عبدة العجل من أصحاب موسى هذا المحل، لان هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولا جليلا من رسل الله سبحانه.
قال: ولو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة، لعلمت ذلك من حال أنفسها، لأنهم أعرف بمحلهم من عوام أهل دهرنا، وإذا قدرت أفعال بعضهم ببعض دلتك على إن القصة كانت على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم، هذا على وعمار، وأبو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وجميع من كان مع علي عليه السلام من المهاجرين والأنصار، لم يروا أن يتغافلوا عن طلحة والزبير حتى فعلوا بهما وبمن معهما ما يفعل بالشراة في عصرنا، وهذا طلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم وفي جانبهم لم يروا أن يمسكوا عن علي، حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا، وهذا معاوية وعمرو لم يريا

(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست