شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٢٩
قال: وإنما هذا من موضوعات متعصبة الأموية، فإن لهم من ينصرهم بلسانه، وبوضعه الأحاديث إذا عجز عن نصرهم بالسيف.
وكذا القول في الحديث الاخر، وهو قوله: (القرن الذي أنا فيه)، ومما يدل على بطلانه إن القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شر قرون الدنيا، وهو أحد القرون التي ذكرها في النص، وكان ذلك القرن هو القرن الذي قتل فيه الحسين، وأوقع بالمدينة، وحوصرت مكة، ونقضت الكعبة، وشربت خلفاؤه والقائمون مقامه والمنتصبون في منصب النبوة الخمور، وارتكبوا الفجور، كما جرى ليزيد بن معاوية وليزيد بن عاتكة وللوليد بن يزيد، وأريقت الدماء الحرام، وقتل المسلمون، وسبى الحريم، واستعبد أبناء المهاجرين والأنصار، ونقش على أيديهم كما ينقش على أيدي الروم، وذلك في خلافة عبد الملك وإمرة الحجاج. وإذا تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرا كلها لا خير فيها، ولا في رؤسائها وأمرائها، والناس برؤوسائهم وأمرائهم، والقرن خمسون سنة، فكيف يصح هذا الخبر.
قال: فأما ما ورد في القرآن من قوله تعالى: ﴿لقد رضى الله عن المؤمنين﴾ (١).
وقوله: ﴿محمد رسول الله والذين معه﴾ (2).
وقول النبي صلى الله عليه وآله إن الله اطلع على أهل بدر، إن كان الخبر صحيحا فكله مشروط بسلامة العاقبة، ولا يجوز أن يخبر الحكيم مكلفا غير معصوم بأنه لا عقاب عليه، فليفعل ما شاء.
قال هذا المتكلم: ومن أنصف وتأمل أحوال الصحابة وجدهم مثلنا، يجوز عليهم ما يجوز علينا، ولا فرق بيننا وبينهم إلا بالصحبة لا غير، فإن لها منزلة وشرفا،

(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست