شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٣
غضب الله عليهم) (١)، ولاجماع المسلمين على إن الله تعالى فرض عداوة أعدائه، وولاية أوليائه، وعلى إن: البغض في الله واجب، والحب في الله واجب - لما تعرضنا لمعاداة أحد من الناس في الدين، ولا البراءة منه، ولكانت عداوتنا للقوم تكلفا.
ولو ظننا إن الله عز وجل يعذرنا إذا قلنا: يا رب غاب أمرهم عنا، فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى، لاعتمدنا على هذا العذر، وواليناهم، ولكنا نخاف أن يقول سبحانه لنا: إن كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم، فلم يغب عن قلوبكم وأسماعكم، قد أتتكم به الأخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الاقرار بالنبي صلى الله عليه وآله وموالاة من صدقه، ومعاداة من عصاه وجحده، وأمرتم بتدبر القرآن وما جاء به الرسول، فهلا حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غدا: ﴿ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا﴾ (٢)!
فأما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها وأوجبها، ألا ترى إلى قوله: ﴿أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون﴾ (٣)، فهو إخبار معناه الامر، كقوله: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (٤))، وقد لعن الله تعالى العاصين بقوله: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود (٥))، وقوله: ﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا﴾ (6)، وقوله: (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا (7))، وقال الله تعالى لإبليس: (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين (8)) وقال: (إن الله لعن الكافرين وأعدلهم سعيرا (9)).

(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»
الفهرست