شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٢٨
أمرهم، ولم يذكر رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبه، لا يوم الجمعة ولا غيرها، عاتبه على ذلك قوم من خاصته، وتشاءموا بذلك منه، وخافوا عاقبته، فقال: والله ما تركت ذلك علانية إلا وأنا أقوله سرا وأكثر منه، لكني رأيت بني هاشم إذا سمعوا ذكره اشرأبوا واحمرت ألوانهم، وطالت رقابهم، والله ما كنت لآتي لهم سرورا وأنا أقدر عليه، والله لقد هممت أن أحظر لهم حظيرة ثم أضرمها عليهم نارا، فإني لا أقتل منهم إلا آثما كفارا سحارا، لا أنماهم (1) الله ولا بارك عليهم، بيت سوء لا أول لهم ولا آخر، والله ما ترك نبي الله فيهم خيرا، استفرع نبي الله صدقهم فهم أكذب الناس.
فقام إليه محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال: وفقك الله يا أمير المؤمنين! أنا أول من أعانك في أمرهم، فقام عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي، فقال: والله ما قلت صوابا، ولا هممت برشد، أرهط رسول الله صلى الله عليه وآله تعيب، وإياهم تقتل، والعرب حولك! والله لو قتلت عدتهم أهل بيت من الترك مسلمين ما سوغه الله لك، والله لو لم (2) ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره. فقال: اجلس أبا صفوان فلست بناموس (3).
فبلغ الخبر عبد الله بن العباس، فخرج مغضبا ومعه ابنه حتى أتى المسجد، فقصد قصد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال:
أيها الناس، إن ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول الله صلى الله عليه وآله ولا آخر، فيا عجبا كل العجب لافترائه ولكذبه، والله إن أول من أخذ الإيلاف وحمى عيرات (4)

(1) لا أنماهم: لا أكثر عددهم.
(2) في د (لولا).
(3) الناموس: الحاذق.
(4) العير - بالكسر: الإبل تحمل الميرة، بلا واحد من لفظها، وجمعه عيرات.
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»
الفهرست