شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٢٦
ظلعك، وضربت لي الأمثال، أحاديث الضبع، متى رأيتني لعرامك (1) هائبا، ومن حدك ناكلا! وقلت: لئن لم تكفف لتجدن جانبي خشنا، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت، ولا أرعى عليك إن أرعيت! فوالله انتهى عن قول الحق، وصفة أهل العدل والفضل، وذم الأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، والسلام.
قدم معاوية المدينة راجعا من حجة حجها، فكثر الناس عليه في حوائجهم، فقال لصاحب إبله: قدم إبلك ليلا حتى ارتحل، ففعل ذلك، وسار ولم يعلم بأمره إلا عبد الله بن الزبير، فإنه ركب فرسه وقفا أثره، ومعاوية نائم في هودجه، فجعل يسير إلى جانبه، فانتبه معاوية، وقد سمع وقع حافر الفرس، فقال: من صاحب الفرس؟ قال: أنا أبو خبيب، لو قد قتلتك منذ الليلة، يمازحه، فقال معاوية: كلا لست من قتلة الملوك، إنما يصيد كل طائر قدره، فقال ابن الزبير: إلى تقول هذا، وقد وقفت في الصف بإزاء علي بن أبي طالب، وهو من تعلم! فقال معاوية: لا جرم! إنه قتلك وأباك بيسرى يديه، وبقيت يده اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها، فقال ابن الزبير: أما والله ما كان ذاك إلا في نصر عثمان فلم نجز به، فقال معاوية: خل هذا عنك، فوالله لولا شدة بغضك ابن أبي طالب لجررت برجل عثمان مع الضبع، فقال ابن الزبير: أفعلتها يا معاوية! أما إنا قد أعطيناك عهدا، ونحن وافون لك به ما دمت حيا، ولكن ليعلمن من بعدك، فقال معاوية:
أما والله ما أخافك إلا على نفسك، ولكأني بك وأنت مشدود مربوط في الأنشوطة (2)، وأنت تقول: ليت أبا عبد الرحمن كان حيا، وليتني كنت حيا يومئذ، فأحلك حلا رفيقا، ولبئس المطلق والمعتق والمسنون عليه أنت يومئذ!

(1) العرار: الشراسة والشدة.
(١٢٦)
مفاتيح البحث: القتل (2)، الحج (2)، المزاح (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست