وروى الشعبي أيضا، قال: لما خطب زياد خطبته البتراء بالبصرة ونزل سمع تلك الليلة أصوات الناس يتحارسون، فقال: ما هذا؟ قالوا: إن البلد مفتونة، وإن المرأة من أهل المصر لتأخذها الفتيان الفساق فيقال لها: نادى ثلاث أصوات، فأن أجابك أحد وإلا فلا لوم علينا فيما نصنع. فغضب فقال: ففيم أنا، وفيم قدمت! فلما أصبح أمر فنودي في الناس، فاجتمعوا فقال: أيها الناس، إني قد نبئت بما أنتم فيه وسمعت ذروا (1) منه، وقد أنذرتكم وأجلتكم شهرا مسير الرجل إلى الشام، ومسيره إلى خراسان، ومسيره إلى الحجاز، فمن وجدناه بعد شهر خارجا من منزله بعد العشاء الآخرة فدمه هدر. فانصرف الناس يقولون: هذا القول كقول من تقدمه من الامراء، فلما كمل الشهر دعا صاحب شرطته عبد الله بن حصين اليربوعي - وكانت رجال الشرطة معه أربعة آلاف - فقال له: هئ خيلك ورجلك، فإذا صليت العشاء الآخرة، وقرأ القارئ مقدار سبع من القرآن، ورفع الطن القصب من القصر، فسر ولا تلقين أحدا، عبيد الله بن زياد فمن دونه، إلا جئتني برأسه، وإن راجعتني في أحد ضربت عنقك.
قال: فصبح على باب القصر تلك الليلة سبعمائة رأس، ثم خرج الليلة الثانية فجاء بخمسين رأسا، ثم خرج الليلة الثالثة فجاء برأس واحد، ثم لم يجئ بعدها بشئ، وكان الناس إذا صلوا العشاء الآخرة أحضروا إلى منازلهم شدا حثيثا، وقد يترك بعضهم نعاله.
كتبت عائشة إلى زياد كتابا، فلم تدر ما تكتب عنوانه! إن كتبت زياد بن عبيد أو ابن أبيه أغضبته، وأن كتبت زياد بن أبي سفيان أثمت فكتبت: من أم المؤمنين إلى ابنها زياد. فلما قرأه ضحك. وقال: لقد لقيت أم المؤمنين من هذا العنوان نصبا!