ولا حابسا عطاء، ولا مجمرا (1) بعثا، فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم فإنهم ساستكم المؤدبون، وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى يصلحوا تصلحوا، فلا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتد لذلك غيظكم، ويطول لذلك حزنكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع أنه لو استجيب لأحد منكم لكان شرا لكم. أسال الله أن يعين كلا على كل. وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الامر فأنفذوه على أذلاله (2). وأيم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي.
فقام عبد الله بن الأهتم فقال: أشهد أيها الأمير، لقد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب.
فقال: كذبت، ذاك نبي الله داود.
فقام الأحنف فقال: إنما الثناء بعد البلاء، والحمد بعد العطاء، وأنا لا نثني حتى نبتلى، ولا نحمد حتى نعطى.
فقال زياد: صدقت فقام أبو بلال مرداس بن أدية يهمس ويقول: أنبأنا الله بغير ما قلت، (فقال): (وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى) (4)، فسمعها زياد فقال: يا أبا بلال، إنا لا نبلغ ما نريد بأصحابك حتى نخوض إليهم الباطل خوضا (5).
* * * وروى الشعبي: قال: قدم زياد الكوفة لما جمعت له مع البصرة، فدنوت من المنبر لأسمع كلامه، فلم أر أحدا يتكلم فيحسن إلا تمنيت أن يسكت مخافة أن يسئ، إلا زيادا فإنه كان لا يزداد إكثارا إلا ازداد إحسانا، فكنت تمنى إلا يسكت.