ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلم، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة، هو الذي يقول: كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي. ألا أنى لو أشاء أن أقول لقلت ولو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت. ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، وأحق من لزم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ألا إني لست باسطا يدا ولا لسانا على من لم يستحق ذلك منا.
ثم نزل، فانصرفت فاطمة عليه السلام إلى منزلها.
* * * قلت: قرأت هذا الكلام على النقيب أبى يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له: من يعرض؟ فقال: بل يصرح. قلت: لو صرح لم أسألك. فضحك وقال: بعلي بن أبي طالب عليه السلام، قلت: هذا الكلام كله لعلى يقوله! قال، نعم، إنه الملك يا بنى، قلت: فما مقالة الأنصار؟ قال: هتفوا بذكر على فخاف من اضطراب الامر عليهم، فنهاهم.
فسألته عن غريبه، فقال: أما الرعة بالتخفيف، أي الاستماع والإصغاء، والقالة: القول، وثعالة: اسم الثعلب علم غير مصروف، ومثل ذؤاله للذئب، وشهيده ذنبه، أي لا شاهد له على ما يدعى إلا بعضه وجزء منه، وأصله مثل، قالوا: إن الثعلب أراد أن يغري الأسد بالذئب، فقال: إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك، وكنت حاضرا، قال: فمن يشهد لك بذلك؟ فرفع ذنبه وعليه دم، وكان الأسد قد افتقد الشاة. فقبل شهادته وقتل الذئب، ومرب: ملازم، أرب بالمكان. وكروها جذعة: أعيدوها إلى الحال الأولى، يعنى الفتنة والهرج. وأم طحال: امرأة بغى في الجاهلية، ويضرب بها المثل فيقال:
أزنى من أم طحال.