أما بعد، فإن الجاهلية الجهلاء (1)، والضلالة العمياء، والغي الموفد لأهله على النار، ما فيه سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم، من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى منها الكبير، كأنكم لم تقرأوا كتاب الله، ولم تستمعوا ما أعد من الثواب الكثير لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمد الذي لا يزول.
أتكونون كمن طرفت عينه (2) الدنيا، وسدت مسامعه الشهوات، وأختار الفانية على الباقية! لا تذكرون (3) أنكم أحدثتم في الاسلام الحدث الذي لم تسبقوا به، من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله (4)، والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر، هذا والعدد غير قليل!
ألم يكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل (5) وغارة النهار! قربتم القرابة، وباعدتم الذين يعتذرون بغير العذر، ويعطون (6) على المختلس، كل امرئ منكم يذب عن سيفه، صنيع (7) من لا يخاف عاقبه، ولا يرجو معادا. ما أنتم بالحلماء، وقد اتبعتم السفهاء، فلم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرمه (8) الاسلام، ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الريب. حرم على الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدما وإحراقا! إني رأيت آخر هذا الامر لا يصلح إلا بما صلح به أوله! لين في غير ضعف، وشده في غير عنف. وأنا أقسم بالله لآخذن الولي بالولي، والظاعن بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم، حتى يلقى الرجل أخاه