قلت: ثم ماذا قال: لم يزل المسلمون يحامون عن رسول الله صلى الله عليه وآله، والمشركون يتكاثرون عليهم، ويقتلون فيهم حتى لم يبق من النهار إلا القليل، والدولة للمشركين.
قلت: ثم ماذا قال: ثم علم الذين بقوا من المسلمين إنه لا طاقة لهم بالمشركين، فأصعدوا في الجبل فاعتصموا به.
فقلت له: فرسول الله صلى الله عليه وآله ما الذي صنع فقال: صعد في الجبال.
قلت له: أفيجوز أن يقال إنه فر فقال: إنما يكون الفرار ممن أمعن في الهرب في الصحراء والبيداء، فأما من الجبل مطل عليه وهو في سفحه، فلما رأى ما لا يعجبه أصعد في الجبل، فإنه لا يسمى. فارا ثم سكت رحمه الله ساعة، ثم قال: هكذا وقعت الحال، فان شئت أن تسمى ذلك فرارا فسمه، فقد خرج من مكة يوم الهجرة فارا من المشركين، ولا وصمة عليه في ذلك.
فقلت له قد روى الواقدي عن بعض الصحابة، قال: لم يبرح رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك اليوم شبرا واحدا، حتى تحاجزت الفئتان فقال دع صاحب هذه الرواية فليقل ما شاء، فالصحيح ما ذكرته لك، ثم قال: كيف يقال لم يزل واقفا حتى تحاجزت الفئتان وإنما تحاجزا بعد أن ناداه أبو سفيان، وهو في أعلى الجبل بما ناداه، فلما عرف إنه حي وإنه في أعلى الجبل، وإن الخيل لا تستطيع الصعود إليه، وأن القوم إن صعدوا إليه رجاله لم يثقوا بالظفر به، لان معه أكثر أصحابه وهم مستميتون إن صعد القوم إليهم، وإنهم لا يقتلون منهم واحدا حتى يقتلوا منهم اثنين أو ثلاثة، لأنهم لا سبيل لهم إلى الهرب، لكونهم محصورين في ذرو واحد، فالرجل منهم يحامى عن خيط رقبته - كفوا عن الصعود وقنعوا بما وصلوا إليه من قتل من قتلوه في الحرب، وأملوا