عنقا (1) واحدا: لبيك داعي الله، لبيك داعي الله! فيضرب يومئذ جبار بن صخر ضربة في رأسه مثقلة وما يدرى، حتى أظهروا الشعار بينهم، فجعلوا يصيحون أمت أمت فكف بعضهم عن بعض.
قال الواقدي: وكان نسطاس مولى ضرار بن أمية ممن حضر أحدا مع المشركين، ثم أسلم بعد، وحسن اسلامه، فكان يحدث، قال: قد كنت ممن خلف في العسكر يومئذ، ولم يقاتل معهم عبد إلا وحشى وصواب غلام بنى عبد الدار، فكان أبو سفيان صاح فيهم يا معشر قريش، خلوا (2) غلمانكم على متاعكم يكونوا هم الذين يقومون على رحالكم، فجمعنا بعضها إلى بعض، وعقلنا الإبل، وانطلق القوم على تعبيتهم، ميمنة وميسرة وألبسنا الرحال الأنطاع، ودنا القوم بعضهم من بعض، فاقتتلوا ساعة، وإذا أصحابنا منهزمون، فدخل المسلمون معسكرنا، ونحن في الرحال، فأحدقوا (3) بنا، فكنت فيمن أسروا، وانتهبوا المعسكر أقبح انتهاب، حتى أن رجلا منهم قال: أين مال صفوان بن أمية فقلت: ما حمل إلا نفقة في الرحل، فخرج يسوقني حتى أخرجتها من العيبة خمسين ومائة مثقال ذهبا، وقد ولى أصحابنا وأيسنا منهم، وانحاش النساء، فهن في حجرهن سلم لمن أرادهن، فصار النهب في أيدي المسلمين.
قال نسطاس: فانا لعلى ما نحن عليه من الاستسلام، ونظرت إلى الجبل، فإذا خيل مقبلة تركض، فدخلوا العسكر، فلم يكن أحد يردهم، قد ضيعت الثغور التي كان بها الرماة وجاؤوا إلى النهب والرماة ينتهبون، وأنا أنظر إليهم متأبطي قسيهم وجعابهم، كل واحد منهم في يديه أو حضنه شئ قد أخذه، فلما دخلت خيلنا دخلت على قوم غارين آمنين، فوضعوا فيهم السيوف، فقتلوهم قتلا ذريعا، وتفرق المسلمون في كل وجه،