قال الواقدي: فروى رافع، قال: أتينا من قبل أنفسنا، ومعصية نبينا، واختلط المسلمون، وصاروا يقتلون ويضرب بعضهم بعضا، وما يشعرون بما يصنعون من الدهش والعجل، وقد جرح يومئذ أسيد بن حضير جرحين، ضربه أحدهما أبو بردة بن نيار، وما يدرى، يقول خذها وأنا الغلام الأنصاري، وكر أبو زعنة في حومة القتال، فضرب أبا بردة ضربتين، ما يشعر أنه هو يقول خذها وأنا أبو زعنة، حتى عرفه بعد، فكان إذا لقيه قال: انظر ما صنعت بي، فيقول أبو زعنة: وأنت فقد ضربت أسيد بن حضير ولا تشعر ولكن هذا الجرح في سبيل الله، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله، فقال هو في سبيل الله يا أبا بردة، لك أجره، حتى كأنك ضربك أحد المشركين، ومن قتل فهو شهيد.
قال الواقدي: وكان الشيخان حسيل بن جابر ورفاعة بن وقش شيخين كبيرين، قد رفعا في الآطام مع النساء، فقال أحدهما لصاحبه: لا أبا لك ما نستبقي من أنفسنا فوالله ما نحن إلا هامة اليوم أو غد، وما بقي من أجلنا قدر ظمء (1) دابة، فلو أخذنا أسيافنا فلحقنا برسول الله صلى الله عليه وآله لعل الله يرزقنا الشهادة قال: فلحقا برسول الله صلى الله عليه وآله، فأما رفاعة فقتله المشركون، وأما حسيل بن جابر فالتفت عليه سيوف المسلمين، وهم لا يعرفونه حين اختلطوا، وابنه حذيفة يقول أبى أبى حتى قتل، فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، ما صنعتم فزاد به عند رسول الله صلى الله عليه وآله خيرا، وأمر رسول الله بديته أن تخرج، ويقال إن الذي أصابه عتبة بن مسعود، فتصدق حذيفة ابنه بدمه على المسلمين.
قال الواقدي: وأقبل يومئذ الحباب بن المنذر بن الجموح يصيح يا آل سلمة فأقبلوا