فلو ثبتت مجنبتا رسول الله اللتان فيهما أسيد بن حضير والحباب بن المنذر بإزاء مجنبتي المشركين، لم ينكسر عسكر الاسلام، ولكن مجنبتا المسلمين أطبقت إطباقا واحدا على قلب المشركين، مضافا إلى قلب المسلمين، فصار عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله قلبا واحدا، وكتيبة واحدة، فحطمه قلب قريش حطمة شديدة. فلما رأت مجنبتا قريش إنه ليس بإزائها أحد، استدارت المجنبتان من وراء عسكر المسلمين، وصمد كثير منهم للرماة الذين كانوا يحمون ظهر المسلمين، فقتلوهم عن آخرهم، لأنهم لم يكونوا ممن يقومون لخالد وعكرمة، وهما في ألفي رجل، وإنما كانوا خمسين رجلا، لا سيما وقد ترك كثير منهم مركزه وشره إلى الغنيمة، فأكب على النهب قال رحمه الله: والذي كسر المسلمين يومئذ، ونال كل منال خالد بن الوليد، وكان فارسا شجاعا، ومعه خيل كثيرة، ورجال أبطال موتورون، واستدار خلف الجبل، فدخل من الثغرة التي كان الرماة عليها، فاتاه من وراء المسلمين، وتراجع قلب المشركين بعد الهزيمة، فصار المسلمون بينهم في مثل الحلقة المستديرة، واختلط الناس، فلم يعرف المسلمون بعضهم بعضا، وضرب الرجل منهم أخاه وأباه بالسيف وهو لا يعرفه لشدة النقع والغبار، ولما اعتراهم من الدهش والعجلة والخوف، فكانت الدبرة عليهم، بعد أن كانت لهم، ومثل هذا يجرى دائما في الحرب.
فقلت له رحمه الله: فلما انكشف المسلمون، وفر منهم من فر، ما كانت حال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ثبت في نفر يسير من أصحابه يحامون عنه.
فقلت: ثم ماذا، قال: ثم ثابت إليه الأنصار، وردت إليه عنقا واحدا بعد فرارهم وتفرقهم، وامتاز المسلمون على المشركين وكانوا ناحية، ثم التحمت الحرب، واصطدم الفيلقان (1).