شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٤ - الصفحة ٢٤٥
فلو ثبتت مجنبتا رسول الله اللتان فيهما أسيد بن حضير والحباب بن المنذر بإزاء مجنبتي المشركين، لم ينكسر عسكر الاسلام، ولكن مجنبتا المسلمين أطبقت إطباقا واحدا على قلب المشركين، مضافا إلى قلب المسلمين، فصار عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله قلبا واحدا، وكتيبة واحدة، فحطمه قلب قريش حطمة شديدة. فلما رأت مجنبتا قريش إنه ليس بإزائها أحد، استدارت المجنبتان من وراء عسكر المسلمين، وصمد كثير منهم للرماة الذين كانوا يحمون ظهر المسلمين، فقتلوهم عن آخرهم، لأنهم لم يكونوا ممن يقومون لخالد وعكرمة، وهما في ألفي رجل، وإنما كانوا خمسين رجلا، لا سيما وقد ترك كثير منهم مركزه وشره إلى الغنيمة، فأكب على النهب قال رحمه الله: والذي كسر المسلمين يومئذ، ونال كل منال خالد بن الوليد، وكان فارسا شجاعا، ومعه خيل كثيرة، ورجال أبطال موتورون، واستدار خلف الجبل، فدخل من الثغرة التي كان الرماة عليها، فاتاه من وراء المسلمين، وتراجع قلب المشركين بعد الهزيمة، فصار المسلمون بينهم في مثل الحلقة المستديرة، واختلط الناس، فلم يعرف المسلمون بعضهم بعضا، وضرب الرجل منهم أخاه وأباه بالسيف وهو لا يعرفه لشدة النقع والغبار، ولما اعتراهم من الدهش والعجلة والخوف، فكانت الدبرة عليهم، بعد أن كانت لهم، ومثل هذا يجرى دائما في الحرب.
فقلت له رحمه الله: فلما انكشف المسلمون، وفر منهم من فر، ما كانت حال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ثبت في نفر يسير من أصحابه يحامون عنه.
فقلت: ثم ماذا، قال: ثم ثابت إليه الأنصار، وردت إليه عنقا واحدا بعد فرارهم وتفرقهم، وامتاز المسلمون على المشركين وكانوا ناحية، ثم التحمت الحرب، واصطدم الفيلقان (1).

(1) الفيلق، كصيقل الجيش.
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 1 - من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة 6
2 أخبار على عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة 8
3 فصل في نسب عائشة وأخبارها 21
4 2 - ومن كتاب له عليه السلام بعد فتح البصرة 26
5 3 - من كتاب له عليه السلام لشريح بن الحارث قاضيه 27
6 نسب شريح وذكر بعض أخباره 28
7 4 - من كتاب له عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه 32
8 5 - من كتاب له عليه السلام إلى الأشعث بن قيس وهو عامل أذربيجان 33
9 6 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 35
10 جرير بن عبد الله البجلي عند معاوية 38
11 7 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 41
12 8 - من كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية 45
13 9 - ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 47
14 إجلاب قريش على بني هاشم وحصرهم في الشعب 52
15 القول في المؤمنين والكافرين من بني هاشم 64
16 اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب 65
17 قصة غزوة بدر 84
18 القول في نزول الملائكة يوم بدر ومحاربتها المشركين 157
19 القول فيما جرى في الغنيمة والأسارى بعد هزيمة قريش ورجوعها إلى مكة 165
20 القول في تفصيل أسماء أسارى بدر ومن أسرهم 199
21 القول في المطعمين في بدر من المشركين 205
22 القول فيمن قتل ببدر من المشركين وأسماء قاتليهم 208
23 القول فيمن شهد بدرا من المسلمين 212
24 قصة غزوة أحد 213