وهو يقول: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه، واندق الرمح، ووقع مصعب وسقط اللواء، وابتدره رجلان من بنى عبد الدار، سويبط بن حرملة وأبو الروم، فاخذه أبو الروم، فلم يزل بيده حتى دخل به المدينة، حين انصرف المسلمون.
قال الواقدي: وقالوا إن رسول الله لما لحمه القتال، وخلص إليه وذب عنه مصعب بن عمير وأبو دجانة، حتى كثرت به الجراحة، جعل رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
(من رجل يشرى نفسه؟) فوثب فئة من الأنصار خمسة، منهم عمارة بن زياد بن السكن، فقاتل حتى أثبت، وفاءت فئة من المسلمين حتى أجهضوا أعداء الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمارة بن زياد: ادن منى، حتى وسده رسول الله صلى الله عليه وآله قدمه، وإن به لأربعة عشر جرحا حتى مات، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يذمر الناس ويحضهم على القتال، وكان رجال من المشركين قد أذلقوا (1) المسلمين بالرمي: منهم حيان بن العرقة وأبو أسامة الجشمي، فجعل النبي صلى الله عليه وآله يقول لسعد: (إرم فداك أبي وأمي) فرمى حيان بن العرقة بسهم فأصاب ذيل أم أيمن، وكانت جاءت يومئذ تسقى الجرحى، فقلبها، وانكشف ذيلها عنها، فاستغرب حيان بن العرقة ضحكا، وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله، فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهما لا نصل له، وقال: ارم به، فرمى فوضع السهم في ثغرة نحر حيان، فوقع مستلقيا، وبدت عورته.
قال سعد: فرأيت النبي صلى الله عليه وآله ضحك يومئذ حتى بدت نواجذه، وقال:
استقاد لها سعد، أجاب الله دعوتك، وسدد رميتك، ورمى يومئذ مالك بن زهير الجشمي أخو أبي أسامة الجشمي المسلمين رميا شديدا، وكان هو وريان بن العرقة قد أسرعا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وأكثرا فيهم القتل يستتران بالصخر، ويرميان،