شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٤ - الصفحة ٢٤٠
فقال الآخرون لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، وقد أذل الله المشركين وهزمهم، فأدخلوا العسكر، فانتهبوا مع إخوانكم. فلما اختلفوا خطبهم أميرهم عبد الله بن جبير، وكان يومئذ معلما بثياب بيض، فحمد الله وأمرهم بطاعة رسوله، وألا يخالف أمره، فعصوه، وانطلقوا فلم يبق معه إلا نفير ما يبلغون العشرة، منهم الحارث بن أنس بن رافع، يقول يا قوم، اذكروا عهد نبيكم إليكم، وأطيعوا أميركم. فأبوا، وذهبوا إلى عسكر المشركين ينتهبون، وخلوا الجبل (1)، وانتقضت صفوف المشركين، واستدارت رحالهم، ودارت (2) الريح - وكانت إلى أن انتقض صفهم صبا، فصارت دبورا - فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله، فكر بالخيل، وتبعه عكرمة بالخيل، فانطلقا إلى موضع الرماة، فحملوا عليهم، فرماهم القوم حتى أصيبوا، ورمى عبد الله بن جبير حتى فنيت نبله، ثم طاعن بالرمح حتى انكسر، ثم كسر جفن سيفه، فقاتل حتى قتل، وأفلت جعيل بن سراقة وأبو بردة بن نيار بعد أن شاهدا قتل عبد الله بن جبير، وكان آخر من انصرف من الخيل، فلحقا بالمسلمين.
قال الواقدي: فروى رافع بن خديج، قال: لما قتل خالد الرماة أقبل بالخيل وعكرمة بن أبي جهل يتلوه، فخالطنا وقد انتقضت صفوفنا، ونادى إبليس - وتصور في صورة جعيل بن سراقة: أن محمدا قد قتل ثلاث صرخات، فابتلي يومئذ جعيل بن سراقة ببلية عظيمة حين تصور إبليس في صورته، وإن جعيلا ليقاتل مع المسلمين أشد القتال، وإنه إلى جنب أبى بردة بن نيار وخوات بن جبير. قال رافع بن خديج: فوالله ما رأينا دولة كانت أسرع من دولة المشركين علينا، وأقبل المسلمون على جعيل بن سراقة يريدون قتله، يقولون هذا الذي صاح أن محمدا قد قتل، فشهد له خوات بن جبير وأبو بردة، إنه كان إلى جنبهما حين صاح الصائح، وإن الصائح غيره.

(1) الواقدي: (عينين)، وهو الجبل.
(2) الواقدي: (وحالت).
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 1 - من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة 6
2 أخبار على عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة 8
3 فصل في نسب عائشة وأخبارها 21
4 2 - ومن كتاب له عليه السلام بعد فتح البصرة 26
5 3 - من كتاب له عليه السلام لشريح بن الحارث قاضيه 27
6 نسب شريح وذكر بعض أخباره 28
7 4 - من كتاب له عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه 32
8 5 - من كتاب له عليه السلام إلى الأشعث بن قيس وهو عامل أذربيجان 33
9 6 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 35
10 جرير بن عبد الله البجلي عند معاوية 38
11 7 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 41
12 8 - من كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية 45
13 9 - ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 47
14 إجلاب قريش على بني هاشم وحصرهم في الشعب 52
15 القول في المؤمنين والكافرين من بني هاشم 64
16 اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب 65
17 قصة غزوة بدر 84
18 القول في نزول الملائكة يوم بدر ومحاربتها المشركين 157
19 القول فيما جرى في الغنيمة والأسارى بعد هزيمة قريش ورجوعها إلى مكة 165
20 القول في تفصيل أسماء أسارى بدر ومن أسرهم 199
21 القول في المطعمين في بدر من المشركين 205
22 القول فيمن قتل ببدر من المشركين وأسماء قاتليهم 208
23 القول فيمن شهد بدرا من المسلمين 212
24 قصة غزوة أحد 213