شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٤ - الصفحة ٢٣٤
إذا دنوا من المسلمين تأخر النساء، فقمن خلف الصفوف، وجعلن كلما ولى رجل حرضنه، وذكرنه قتلى بدر.
وقال الواقدي: وكان قزمان من المنافقين، وكان قد تخلف عن أحد، فلما أصبح عيره نساء بنى ظفر، فقلن يا قزمان، قد خرج الرجال وبقيت استحي يا قزمان، ألا تستحي مما صنعت ما أنت إلا امرأة، خرج قومك وبقيت في الدار فأحفظنه فدخل بيته، فأخرج قوسه وجعبته وسيفه - وكان يعرف بالشجاعة - وخرج يعدو، حتى إنتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يسوى صفوف المسلمين، فجاء من خلف الصف، حتى انتهى إلى الصف الأول، فكان فيه، وكان أول من رمى بسهم من المسلمين، جعل يرسل نبلا كأنها الرماح، وإنه ليكت كتيت (1) الجمل ثم صار إلى السيف، ففعل الأفاعيل، حتى إذا كان آخر ذلك قتل نفسه. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ذكره قال: من أهل النار. قال: فلما انكشف المسلمون، كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار. يا للأوس قاتلوا على الأحساب، واصنعوا مثل ما أصنع قال: فيدخل بالسيف وسط المشركين، حتى يقال قد قتل، ثم يطلع فيقول أنا الغلام الظفري، حتى قتل منهم سبعة، وأصابته الجراحة، وكثرت فيه، فوقع فمر به قتادة بن النعمان، فقال له: أبا الغيداق، قال قزمان: لبيك، قال: هنيئا لك الشهادة قال قزمان: إني والله ما قاتلت يا أبا عمرو على دين، ما قاتلت إلا على الحفاظ، أن تسير قريش إلينا فتطأ سعفنا، قال: فأذته الجراحة فقتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر (2)).

(1) الكتيت: صياح الجمل.
(2) في ابن هشام 3: 37 عن ابن إسحاق: (حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: كان فينا رجل أتي لا يدرى ممن هو، يقال له قزمان، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا ذكر له: (إنه لمن أهل النار) قال: (فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا، فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين. وكان ذا بأس، فأثبتته الجراحة، فاحتمل إلى دار بني مظفر. قال: فجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر، قال: بماذا أبشر؟ فوالله إن قاتلت إلا على أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت، قال: فلما اشتدت به جراحته أخذ سهما من كنانته، فقتل به نفسه).
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 1 - من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة 6
2 أخبار على عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة 8
3 فصل في نسب عائشة وأخبارها 21
4 2 - ومن كتاب له عليه السلام بعد فتح البصرة 26
5 3 - من كتاب له عليه السلام لشريح بن الحارث قاضيه 27
6 نسب شريح وذكر بعض أخباره 28
7 4 - من كتاب له عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه 32
8 5 - من كتاب له عليه السلام إلى الأشعث بن قيس وهو عامل أذربيجان 33
9 6 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 35
10 جرير بن عبد الله البجلي عند معاوية 38
11 7 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 41
12 8 - من كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية 45
13 9 - ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 47
14 إجلاب قريش على بني هاشم وحصرهم في الشعب 52
15 القول في المؤمنين والكافرين من بني هاشم 64
16 اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب 65
17 قصة غزوة بدر 84
18 القول في نزول الملائكة يوم بدر ومحاربتها المشركين 157
19 القول فيما جرى في الغنيمة والأسارى بعد هزيمة قريش ورجوعها إلى مكة 165
20 القول في تفصيل أسماء أسارى بدر ومن أسرهم 199
21 القول في المطعمين في بدر من المشركين 205
22 القول فيمن قتل ببدر من المشركين وأسماء قاتليهم 208
23 القول فيمن شهد بدرا من المسلمين 212
24 قصة غزوة أحد 213