إذا دنوا من المسلمين تأخر النساء، فقمن خلف الصفوف، وجعلن كلما ولى رجل حرضنه، وذكرنه قتلى بدر.
وقال الواقدي: وكان قزمان من المنافقين، وكان قد تخلف عن أحد، فلما أصبح عيره نساء بنى ظفر، فقلن يا قزمان، قد خرج الرجال وبقيت استحي يا قزمان، ألا تستحي مما صنعت ما أنت إلا امرأة، خرج قومك وبقيت في الدار فأحفظنه فدخل بيته، فأخرج قوسه وجعبته وسيفه - وكان يعرف بالشجاعة - وخرج يعدو، حتى إنتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يسوى صفوف المسلمين، فجاء من خلف الصف، حتى انتهى إلى الصف الأول، فكان فيه، وكان أول من رمى بسهم من المسلمين، جعل يرسل نبلا كأنها الرماح، وإنه ليكت كتيت (1) الجمل ثم صار إلى السيف، ففعل الأفاعيل، حتى إذا كان آخر ذلك قتل نفسه. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ذكره قال: من أهل النار. قال: فلما انكشف المسلمون، كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار. يا للأوس قاتلوا على الأحساب، واصنعوا مثل ما أصنع قال: فيدخل بالسيف وسط المشركين، حتى يقال قد قتل، ثم يطلع فيقول أنا الغلام الظفري، حتى قتل منهم سبعة، وأصابته الجراحة، وكثرت فيه، فوقع فمر به قتادة بن النعمان، فقال له: أبا الغيداق، قال قزمان: لبيك، قال: هنيئا لك الشهادة قال قزمان: إني والله ما قاتلت يا أبا عمرو على دين، ما قاتلت إلا على الحفاظ، أن تسير قريش إلينا فتطأ سعفنا، قال: فأذته الجراحة فقتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر (2)).