الأصل:
ثم إن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق، حين دنا من الدنيا الانقطاع، وأقبل من الآخرة الاطلاع، وأظلمت بهجتها بعد إشراق، وقامت بأهلها على ساق، وخشن منها مهاد، وأزف منها قياد، في انقطاع من مدتها، واقتراب من أشراطها، وتصرم من أهلها، وانفصام من حلقتها، وانتشار من سببها، وعفاء من أعلامها، وتكشف من عوراتها، وقصر من طولها.
جعله الله سبحانه بلاغا لرسالته، وكرامة لامته، وربيعا لأهل زمانه، ورفعه لأعوانه، وشرفا لأنصاره.
ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يضل نهجه، وشعاعا لا يظلم ضوءه، وفرقانا لا يخمد برهانه، وتبيانا لا تهدم أركانه، وشفاء لا تخشى أسقامه، وعزا لا تهزم أنصاره، وحقا لا تخذل أعوانه.
فهو معدن الايمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافي الاسلام وبنيانه، وأودية الحق وغيطانه. وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضل نهجها المسافرون، وأعلام لا يعمى عنها السائرون، وإكام لا يجوز عنها القاصدون.