وقالت الأنصار له يوم بدر، وقد نزل بمنزل لم يستصلحوه: أنزلت هذا المنزل عن رأى رأيت أم بوحي أوحى إليك؟ قال: بل عن رأى رأيته، قالوا: إنه ليس لنا بمنزل، ارحل عنه فأنزل بموضع كذا.
وأما قول أبى بكر له: (الزم غرزه، فوالله إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم) فإنما هو تأكيد وتثبيت على عقيدته التي في قلبه، ولا يدل ذلك على الشك، فقد قال الله تعالى لنبيه: ﴿ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا﴾ (1)، وكل أحد لا يستغنى عن زيادة اليقين والطمأنينة، وقد كانت وقعت من هذا القائل أمور دون هذه القصة، كقوله: دعني أضرب عنق أبي سفيان. وقوله: دعني أضرب عنق عبد الله بن أبي، وقوله: دعني أضرب عنق حاطب بن أبي بلتعة. ونهى النبي صلى الله عليه وآله عن التسرع إلى ذلك، وجذبه ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله حين قام على جنازة ابن سلول يصلى. وقوله: كيف تستغفر لرأس المنافقين! وليس في ذلك جميعه ما يدل على وقوع القبيح منه، وإنما الرجل كان مطبوعا على الشدة والشراسة والخشونة، وكان يقول ما يقول على مقتضى السجية التي طبع عليها. وعلى أي حال كان، فلقد نال الاسلام بولايته وخلافته خيرا كثيرا.
* * * قوله عليه السلام: (ولقد واسيته بنفسي)، يقال: واسيته وآسيته، وبالهمزة أفصح، وهذا مما اختص عليه السلام بفضيلته غير مدافع، ثبت معه يوم أحد وفر الناس، وثبت معه يوم حنين وفر الناس، وثبت تحت رايته يوم خيبر حتى فتحها وفر من كان بعث بها من قبله.