والظاهر أنه يرمز في قوله عليه السلام: (لم أرد على الله، ولا على رسوله ساعة قط) إلى أمور وقعت من غيره، كما جرى يوم الحديبية عند سطر كتاب الصلح، فإن بعض الصحابة (١) أنكر ذلك، وقال: يا رسول الله، ألسنا المسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا الكافرين؟ قال: بلى، قال: فكيف نعطي الدنية في ديننا! فقال صلى الله عليه وآله: (إنما أعمل بما أومر به) فقام فقال لقوم من الصحابة: ألم يكن قد وعدنا بدخول مكة!
وها نحن قد صددنا عنها ثم ننصرف بعد أن أعطينا الدنية في ديننا، والله لو أجد أعوانا لم أعط الدنية أبدا، فقال أبو بكر لهذا القائل: ويحك! الزم غرزه (٢)، فوالله إنه لرسول الله صلى الله عليه وآله، وأن الله لا يضيعه.
ثم قال له: أقال لك: إنه سيدخلها هذا العام؟ قال: لا، قال: فسيدخلها. فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة، وأخذ مفاتيح الكعبة، دعاه فقال: هذا الذي وعدتم به.
* * * واعلم أن هذا الخبر صحيح لا ريب فيه، والناس كلهم رووه، وليس عندي بقبيح ولا مستهجن أن يكون سؤال هذا الشخص لرسول الله صلى الله عليه وآله عما سأله عنه على سبيل الاسترشاد، والتماس الطمأنينة النفس، فقد قال الله تعالى لخليله إبراهيم: ﴿أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾ (3). وقد كانت الصحابة تراجع رسول الله صلى الله عليه وآله في الأمور، وتسأله عما يستبهم عليها وتقول له: أهذا منك أم من الله؟ وقال له السعدان (4) رحمهما الله يوم الخندق، وقد عزم على مصالحة الأحزاب ببعض تمر المدينة:
أهذا من الله أم رأى رأيته من نفسك؟ قال: بل من نفسي، قالا: لا، والله لا نعطيهم منها تمرة واحدة وأيدينا في مقابض سيوفنا!.