حكمت فما جرت في خلة * فحكمك بالحق بادي المنار فإن يسبعوك فسرا وقد * جهرت بسيفك كل الجهار (1) * * * قال: ونزل عثمان فأتى منزله، وأتاه الناس وفيهم ابن عباس، فلما أخذوا مجالسهم، أقبل على ابن عباس، فقال: ما لي ولكم يا بن عباس! ما أغراكم بي، وأولعكم بتعقب أمري! أتنقمون على أمر العامة! أتيت من وراء حقوقهم، أم أمركم، فقد جعلتهم يتمنون منزلتكم! لا والله لكن الحسد والبغي وتثوير الشر وإحياء الفتن! والله لقد ألقى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، وأخبرني به عن أهله واحدا واحدا، والله ما كذبت ولا أنا بمكذوب.
فقال ابن عباس: على رسلك يا أمير المؤمنين، فوالله ما عهدتك جهرا بسرك ولا مظهرا ما في نفسك، فما الذي هيجك وثورك! إنا لم يولعنا بك أمر، ولم نتعقب أمرك بشئ، أتيت بالكذب، وتسوق عليك بالباطل. والله ما نقمنا عليك لنا ولا للعامة قد أوتيت من وراء حقوقنا وحقوقهم، وقضيت ما يلزمك لنا ولهم، فأما الحسد والبغي وتثوير الفتن وإحياء الشر فمتى رضيت به عترة النبي وأهل بيته! وكيف وهم منه وإليه! على دين الله يثورون الشر، أم على الله يحيون الفتن، كلا ليس البغي ولا الحسد من طباعهم. فاتئد يا أمير المؤمنين وأبصر أمرك، وأمسك عليك فإن حالتك الأولى خير من حالتك الأخرى! لعمري أن كنت لأثيرا عند رسول الله، وأن كان ليفضي إليك بسره ما يطويه عن غيرك، ولا كذبت ولا أنت بمكذوب، إخس الشيطان عنك، ولا ير كبك، وأغلب غضبك ولا يغلبك، فما دعاك إلى هذا الامر الذي كان منك!