وروى الزبير بن بكار في كتاب " الموفقيات " عن عمه، عن عيسى بن داود، عن رجاله، قال: قال ابن عباس رحمه الله: لما بنى عثمان داره بالمدينة، أكثر الناس عليه في ذلك، فبلغه، فخطبنا في يوم جمعة، ثم صلى بنا، ثم عاد إلى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله، ثم قال: أما بعد، فإن النعمة إذا حدثت حدث لها حساد حسبها، وأعداء قدرها، وإن الله لم يحدث لنا نعما ليحدث لها حساد عليها، ومنافسون فيها، ولكنه قد كان من بناء منزلنا هذا، ما كان إرادة جمع المال فيه، وضم القاصية إليه، فأتانا عن أناس منكم أنهم يقولون: أخذ فيئنا وأنفق شيئنا، واستأثر بأموالنا، يمشون خمرا (1)، و ينطقون سرا، كأنا غيب عنهم، وكأنهم يهابون مواجهتنا، معرفة منهم بدحوض حجتهم، فإذ غابوا عنا يروح بعضهم إلى بعض يذكرنا. وقد وجدوا على ذلك أعوانا من نظرائهم، ومؤازرين من شبهائهم، فبعدا بعدا! ورغما رغما! ثم أنشد بيتين كأنه يومئ فيهما إلى علي عليه السلام:
توقد بنار أينما كنت واشتعل * فلست ترى مما تعالج شافيا تشط فيقضى الامر دونك أهله * وشيكا، ولا تدعى إذا كنت نائيا.
ما لي ولفيئكم وأخذ مالكم! ألست من أكثر قريش مالا، وأظهرهم من الله نعمة!
ألم أكن على ذلك قبل الاسلام وبعده! وهبوني بنيت منزلا من بيت المال، أليس هو لي ولكم! ألم أقم أموركم، وإني من وراء حاجاتكم! فما تفقدون من حقوقكم شيئا، فلم لا أصنع في الفضل ما أحببت، فلم كنت إماما إذا! ألا وإن من أعجب العجب، أنه بلغني عنكم أنكم تقولون: لنفعلن به ولنفعلن! فبمن تفعلون، لله آباؤكم! أبنقد البقاع أم بفقع القاع، ألست أحراكم إن دعا أن يجاب، وأقمنكم إن أمر أن يطاع!.