وقال الآخر: قد كان سيفك لا يجف، وكانت مراقيك لا ترام، وكانت نقماتك لا تؤمن، وكانت عطاياك يفرح بها، وكان ضياؤك لا ينكشف، فأصبح ضوءك قد خمد، وأصبحت نقماتك لا تخشى، وعطاياك لا ترجى، ومراقبك لا يمنع، وسيفك لا يقطع.
وقال الآخر: انظروا إلى حلم المنام كيف انجلى، وإلى ظل الغمام كيف انسرى.
وقال آخر: ما كان أحوجه إلى هذا الحلم، وإلى هذا الصبر والسكون أيام حياته!
وقال آخر: القدرة العظيمة التي ملأت الدنيا العريضة الطويلة، طويت في ذراعين.
وقال الآخر: أصبح آسر الاسراء أسيرا، وقاهر الملوك مقهورا. كان بالأمس مالكا، فصار اليوم هالكا.
ثم قال عليه السلام: " ودعتكم وداع امرئ مرصدا للتلاقي "، أرصدته لكذا أي أعددته له، وفى الحديث " إلا أن أرصده لدين على ". والتلاقي هاهنا. لقاء الله، ويروى " وداعيكم " أي وداعي إياكم، والوداع مفتوح الواو.
ثم قال: " غدا ترون أيامي، ويكشف لكم عن سرائري، وتعرفونني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي "، هذا معنى قد تداوله الناس قديما وحديثا، قال أبو تمام:
راحت وفود الأرض عن قبره * فارغة الأيدي ملاء القلوب قد علمت ما رزئت إنما * يعرف قدر الشمس بعد الغروب وقال أبو الطيب:
ونذمهم وبهم عرفنا فضله * وبضدها تتبين الأشياء (1)