شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٢٨
عقله مما اعتراه من خوف التتار، أو لأمر سلطه الله تعالى عليه فكان يهذي بالتتار بكرة وعشية، وكل وقت وكل ساعة ويقول هو ذا هم قد خرجوا من هذا الباب، قد هجموا من هذه الدرجة، ويرعد ويحول لونه، ويختل كلامه وحركاته.
وحكى لي فقيه خراساني وصل إلى بغداد يعرف بالبرهان، قال كان أخي معه، وكان ممن يثق خوارزم شاه به، ويختصه، قال لهج خوارزم شاه لما تغير عقله بكلمة كان يقولها: " قراتتر كلدى " يكررها، وتفسيرها: " التتر السود قد جاؤوا "، وفي التتر صنف سود يشبهون الزنج، لهم سيوف عريضة جدا على غير صورة هذه السيوف، يأكلون لحوم الناس فكان خوارزم شاه قد أهتر وأغرى بذكرهم.
وحدثني البرهان، قال: رقى به شمس الدين أنليمش إلى قلعة من قلاع الهند، حصينة عالية شاهقة لا يعلوها الغيم أبدا، وإنما تمطر السحب من تحتها. وقال له: هذه القلعة لك وذخائرها أموالك، فكن فيها وادعا آمنا إلى أن يستقيم طالعك، فالملوك ما زالوا هكذا، يدبر طالعهم ثم يقبل فقال له: لا أقدر على الثبات فيها، والمقام بها، لان التتر سوف يطلبونني، ويقدمون إلى هاهنا، ولو شاءوا لوضعوا سروج خيلهم واحدا على واحد تحت القلعة، فبلغت إلى ذروتها، وصعدوا عليها، فأخذوني قبضا باليد، فعلم أنليمش أن عقله قد تغير، وأن الله تعالى قد بدل ما به من نعمة فقال: فما الذي تريد؟ قال: أريد أن تحملني في البحر المعروف ببحر المعبر إلى كرمان، فحمله في نفر يسير من مماليكه إلى كرمان، ثم خرج منها إلى أطراف بلاد فارس، فمات هناك في قرية من قرى فارس، وأخفى موته، لئلا يقصده التتر، وتطلب جثته (1).

(1) في ابن الأثير 9: 334 فصل واف عن خوارزم شاه وسيرته.
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303