ثم توجهوا إلى المراغة في أول سنة ثماني عشرة فملكوها في صفر، وكانت لامرأة من بقايا ملوك المراغة تدبرها هي ووزراؤها فنصبوا عليها المجانيق، وقدموا أسارى المسلمين بين أيديهم وهذه عادتهم يتترسون بهم في الحروب، فيصيبهم حدها، ويسلمون هم من مضرتها، فملكوها عنوة، ووضعوا السيف في أهلها ونهبوا ما يصلح لهم، وأحرقوا ما لا يصلح لهم، وخذل الناس عنهم، حتى كان الواحد منهم يقتل بيده مائة إنسان، والسيوف في أيديهم لا يقدر أحد منهم أن يحرك يده بسيفه نحو ذلك التتري، خذلان صب على الناس، وأمر سمائي اقتضاه.
ثم عادوا إلى همذان، فطالبوا أهلها بمثل المال الذي بذلوه لهم في الدفعة الأولى، فلم يكن في الناس فضل لذلك، لأنه كان عظيما جدا، فقام إلى رئيس همذان جماعة من أهلها، وأسمعوه كلاما غليظا فقالوا: أفقرتنا أولا، وتريد أن تستصفينا دفعة ثانية! ثم لابد للتتار أن يقتلونا فدعنا نجاهدهم بالسيف، ونموت كراما. ثم وثبوا على شحنة كان للتتار بهمذان فقتلوه، واعتصموا بالبلد فحصرهم التتار فيه، فقلت عليهم الميرة، وعدمت الأقوات. وأضر ذلك بأهل همذان، ولم ينل التتار مضرة من عدم القوت، لأنهم لا يأكلون إلا اللحم، والخيل معهم كثيرة ومعهم غنم عظيمه يسوقونها حيث شاءوا وخيلهم لا تأكل الشعير، ولا تأكل إلا نبات الأرض، تحفر بحوافرها الأرض عن العروق، فتأكلها.
فاضطر رئيس همذان وأهلها إلى الخروج إليهم فخرجوا، والتحمت الحرب بينهم أياما وفقد رئيس همذان، هرب في سرب قد كان أعده إلى موضع اعتصم به ظاهر البلد، ولم يعلم حقيقة حاله، فتحير أهل همذان بعد فقده ودخلوا لمدينة، واجتمعت كلمتهم على القتال في قصبه البلد إلى أن يموتوا. وكان التتار قد عزموا على الرحيل عنهم، لكثرة من قتل منهم فلما لم يروا أحدا يخرج إليهم من البلد، طمعوا واستدلوا على ضعف أهله فقصدوهم وقاتلوهم