بعد فراغه من الغنيمة فواقعوه وتصافوا للحرب ثلاثة أيام بلياليها، لا يفترون نهارا ولا ليلا، فقتل من الفريقين ما لا يعد، ولم ينهزم منهم أحد.
أما المسلمون فصبروا حمية للدين، وعلموا أنهم إن انهزموا لم يبق للاسلام باقية، ثم إنهم لا ينجون، بل يؤخذون ويؤسرون لبعدهم عن بلاد يمتنعون بها، وأما التتار فصبروا لاستنقاذ أموالهم وأهلهم، واشتد الخطب بين الطائفتين، حتى إن أحدهم كان ينزل عن فرسه، ويقاتل قرنه راجلا، مضاربة بالسكاكين، وجرى الدم على الأرض، حتى كانت الخيل تزلق فيه لكثرته، ولم يحضر جنكزخان بنفسه هذه الوقعة، وإنما كان فيها قاآن ولده، فأحصى من قتل من المسلمين فكانوا عشرين ألفا، ولم يحص عدة من قتل من التتار.
فلما جاءت الليلة الرابعة افترقوا فنزل بعضهم مقابل بعض، فلما أظلم الليل، أوقد التتار نيرانهم، وتركوها بحالها، وساروا راجعين إلى جنكزخان ملكهم، و أما المسلمون فرجعوا ومعهم محمد خوارزم شاه، فلم يزالوا سائرين حتى وافوا بخارى، وعلم خوارزم شاه انه لا طاقة له بجنكزخان لان طائفة من عسكره لم يلقوا خوارزم شاه بجميع عساكره بهم، فكيف إذا حشدوا وجاءوا على (1) بكرة أبيهم، وملكهم جنكزخان بينهم.
فاستعد للحصار، وأرسل إلى سمرقند يأمر قواده المقيمين بها بالاستعداد للحصار، وجمع الذخائر للامتناع والمقام من وراء الأسوار، وجعل في بخارى عشرين ألف فارس، يحمونها وفي سمرقند خمسين ألفا، وتقدم إليهم بحفظ البلاد حتى يعبر هو إلى خوارزم وخراسان، فيجمع العساكر، ويستنجد بالمسلمين والغزاة المطوعة ويعود إليهم.