قد جمع لهم ملك الروم قضه وقضيضه، وجيشه ولفيفه واستكثر من الأكراد العتمرية، ومن عساكر الشام وجند حلب، فيقال: إنه جمع مائة ألف فارس وراجل، فلقيه التتار في عشرين ألفا، فجرت بينه وبينهم حروب شديدة قتلوا فيها مقدمته، وكانت المقدمة كلها أو أكثرها من رجال حلب، وهم أنجاد أبطال فقتلوا عن آخرهم، وانكسر العسكر الرومي وهرب صاحب الروم حتى انتهى إلى قلعه له على البحر تعرف بأنطاكية، فاعتصم بها وتمزقت جموعه، وقتل منهم عدد لا يحصى، ودخلت التتار إلى المدينة المعروفة بقيسارية ففعلوا فيها أفاعيل منكرة من القتل والنهب والتحريق، وكذلك بالمدينة المعروفة بسيواس وغيرها من كبار المدن الرومية، وبخع لهم صاحب الروم بالطاعة، وأرسل إليهم يسألهم قبول المال والمصانعة، فضربوا عليه ضريبة يؤديها إليهم كل سنة، ورجعوا عن بلاده.
وأقاموا على جملة السكون والموادعة للبلاد الاسلامية كلها، إلى أن دخلت سنة ثلاث وأربعين وستمائة. فاتفق أن بعض أمراء بغداد وهو سليمان بن برجم، وهو مقدم الطائفة المعروفة بالإيواء، وهي من التركمان، قتل شحنة من شحنهم في بعض قلاع الجبل يعرف بخليل بن بدر، فأثار قتله أن سار من تبريز عشرة آلاف غلام منهم، يطوون المنازل، ويسبقون خبرهم، ومقدمهم المعروف بجكتاي الصغير، فلم يشعر الناس ببغداد إلا وهم على البلد، وذلك في شهر ربيع الاخر من هذه السنة في فصل الخريف، وقد كان الخليفة المستعصم بالله، أخرج عسكره إلى ظاهر سور بغداد على سبيل الاحتياط، وكان التتر قد بلغهم ذلك إلا أن جواسيسهم غرتهم، وأوقعت في أذهانهم أنه ليس خارج السور إلا خيام مضروبة وفساطيط مضروبة، لا رجال تحتها، وأنكم متى أشرفتم عليهم ملكتم سوادهم وثقلهم ويكون قصارى أمر قوم قليلين تحتها أن ينهزموا إلى البلد، ويعتصموا بجدرانه، فأقبلت