(129) الأصل:
عباد الله، إنكم وما تأملون من هذه الدنيا أثوياء مؤجلون، ومدينون مقتضون، أجل منقوص، وعمل محفوظ فرب دائب مضيع، ورب كادح خاسر، وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا، والشر فيه إلا إقبالا، والشيطان في هلاك الناس إلا طمعا، فهذا أوان قويت عدته، وعمت مكيدته، وأمكنت فريسته.
أضرب بطرفك حيث شئت من الناس، فهل تبصر إلا فقيرا يكابد فقرا، أو غنيا بدل نعمة الله كفرا، أو بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا، أو متمردا كأن بأذنه عن سمع المواعظ وقرا!
أين أخياركم وصلحاؤكم، وأحراركم وسمحاؤكم، وأين المتورعون في مكاسبهم، والمتنزهون في مذاهبهم! أليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدنيا الدنية، والعاجلة المنغصة!
وهل خلفتم إلا في حثالة لا تلتقي بذمهم الشفتان، استصغارا لقدرهم، وذهابا عن ذكرهم! فإنا لله وإنا إليه راجعون!
ظهر الفساد فلا منكر مغير، ولا زاجر مزدجر. أفبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه، وتكونوا أعز أوليائه عنده! هيهات لا يخدع الله عن جنته، ولا تنال مرضاته إلا بطاعته.