فلما فرغوا، أرادوا عبور الدربند، فلم يقدموا عليه، فأرسلوا إلى شروان شاه ملك الدربند، فطالبوه بإنفاذ رسول يسعى بينه وبينهم في الصلح، فأرسل إليهم عشرة من ثقاته فلما وصلوا إليهم جمعوهم، ثم قتلوا واحدا منهم بحضور الباقين وقالوا للتسعة: إن أنتم عرفتمونا طريقا نعبر فيه فلكم الأمان، وإلا قتلناكم كما قتلنا صاحبكم فقالوا. لهم:
لا طريق في هذا الدربند، ولكن نعرفكم موضعا هو أسهل المواضع لعبور الخيل.
وساروا بين أيديهم إليه، فعبروا الدربند، وتركوه وراء ظهورهم، وساروا في تلك البلاد، وهي مملوءة من طرائق مختلفه منهم اللان واللكر وأصناف من الترك، فنهبوها وقتلوا الكثير من ساكنيها، ورحلوا إلى اللان، وهم أمم كثيرة وقد وصلهم خبرهم، وجمعوا وحذروا، وانضاف إليهم جموع من قفجاق، فقاتلوهم فلم يظفر أحد العسكرين بالآخر، فأرسل التتار إلى قفجاق: أنتم إخواننا، وجنسنا واحد، واللان ليسوا من جنسكم لتنصروهم ولا دينهم دينكم، ونحن نعاهدكم ألا نعرض لكم، ونحمل إليكم من المال والثياب ما يستقر بيننا وبينكم، على أن تنصرفوا إلى بلادكم.
فاستقر الامر بينهم على مال وثياب حملها التتار إليهم، وفارقت قفجاق اللان، فأوقع التتار باللان، فقتلوهم ونهبوا أموالهم، وسبوا نساءهم. فلما فرغوا منهم ساروا إلى بلاد قفجاق وهم آمنون متفرقون، لما استقر بينهم وبين التتار من الصلح، فلم يشعروا بهم إلا وقد طرقوهم، ودخلوا بلادهم، فأوقعوا بهم الأول فالأول، وأخذوا منهم أضعاف ما حملوا إليهم، وسمع ما كان بعيد الدار من قفجاق بما جرى.
ففروا عن غير قتال فأبعدوا، فبعضهم بالغياض وبعضهم بالجبال، وبعضهم لحقوا ببلاد الروس. وأقام التتار في بلاد قفجاق، وهي أرض كثيرة المراعى في الشتاء، وفيها أيضا أماكن باردة في الصيف، كثيرة المراعى، وهي غياض على ساحل البحر.
* * *