فلما فرغوا منها أمر جنكزخان أن يكتب له وجوه البلد ورؤساؤهم ففعل ذلك، فلما عرضوا عليه أمر بإحضارهم، فأحضروا، فقال لهم: أريد منكم الفضة النقرة (1) التي باعها إياكم خوارزم شاه، فإنها لي ومن أصحابي أخذت فكان كل من عنده شئ منها يحضره، فلما فرغ من ذلك أمرهم بالخروج عن البلد بأنفسهم خاصة، فخرجوا مجردين عن أموالهم، ليس مع كل واحد منهم إلا ثيابه التي على جسده فامر بقتلهم، فقتلوا عن آخرهم، وأمر حينئذ بنهب البلد فنهب كل ما فيه، وسبيت النساء والأطفال، وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال، ثم رحلوا عنه نحو سمرقند، وقد تحققوا عجز خوارزم شاه عنهم، واستصحبوا معهم من سلم من أهل بخارى أسارى مشاة على أقبح صورة، وكل من أعيا وعجز عن المشي قتلوه.
فلما قاربوا سمرقند، قدموا الخيالة، وتركوا الرجالة والأسارى والأثقال وراءهم، حتى يلتحقوا بهم شيئا فشيئا، ليرعبوا قلوب أهل البلد، فلما رأى أهل سمرقند سوادهم، استعظموهم، فلما كان اليوم الثاني وصل الأسارى والرجالة والأثقال، ومع كل عشرة من الأسارى علم، فظن أهل البلد أن الجميع عسكر مقاتلة، فأحاطوا بسمرقند، وفيها خمسون ألفا من الخوارزمية، وما لا يحصى كثرة من عوام البلد، فأحجم العسكر الخوارزمي عن الخروج إليهم، وخرجت العامة بالسلاح، فأطمعهم التتار في أنفسهم، وقهقروا عنهم وقد كمنوا لهم كمناء، فلما جاوزوا الكمين خرج عليهم من ورائهم وشد عليهم من ورائهم جمهور التتار فقتلوهم عن آخرهم.
فلما رأى من تخلف بالبلد ذلك ضعفت قلوبهم، وخيلت للجند الخوارزمي أنفسهم