شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٢٥
فلما فرغوا منها أمر جنكزخان أن يكتب له وجوه البلد ورؤساؤهم ففعل ذلك، فلما عرضوا عليه أمر بإحضارهم، فأحضروا، فقال لهم: أريد منكم الفضة النقرة (1) التي باعها إياكم خوارزم شاه، فإنها لي ومن أصحابي أخذت فكان كل من عنده شئ منها يحضره، فلما فرغ من ذلك أمرهم بالخروج عن البلد بأنفسهم خاصة، فخرجوا مجردين عن أموالهم، ليس مع كل واحد منهم إلا ثيابه التي على جسده فامر بقتلهم، فقتلوا عن آخرهم، وأمر حينئذ بنهب البلد فنهب كل ما فيه، وسبيت النساء والأطفال، وعذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال، ثم رحلوا عنه نحو سمرقند، وقد تحققوا عجز خوارزم شاه عنهم، واستصحبوا معهم من سلم من أهل بخارى أسارى مشاة على أقبح صورة، وكل من أعيا وعجز عن المشي قتلوه.
فلما قاربوا سمرقند، قدموا الخيالة، وتركوا الرجالة والأسارى والأثقال وراءهم، حتى يلتحقوا بهم شيئا فشيئا، ليرعبوا قلوب أهل البلد، فلما رأى أهل سمرقند سوادهم، استعظموهم، فلما كان اليوم الثاني وصل الأسارى والرجالة والأثقال، ومع كل عشرة من الأسارى علم، فظن أهل البلد أن الجميع عسكر مقاتلة، فأحاطوا بسمرقند، وفيها خمسون ألفا من الخوارزمية، وما لا يحصى كثرة من عوام البلد، فأحجم العسكر الخوارزمي عن الخروج إليهم، وخرجت العامة بالسلاح، فأطمعهم التتار في أنفسهم، وقهقروا عنهم وقد كمنوا لهم كمناء، فلما جاوزوا الكمين خرج عليهم من ورائهم وشد عليهم من ورائهم جمهور التتار فقتلوهم عن آخرهم.
فلما رأى من تخلف بالبلد ذلك ضعفت قلوبهم، وخيلت للجند الخوارزمي أنفسهم

(1) النقرة: القطعة المذابة من الفضة أو الذهب.
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303