ثم رحل إلى خراسان، فعبر جيحون، وكانت هذه الوقعة في سنه ست عشرة وستمائة فنزل بالقرب من بلخ، فعسكر هناك، واستنفر الناس.
وأما التتار فإنهم رحلوا بعد أن استعدوا يطلبون بلاد ما وراء النهر فوصلوا إلى بخارى بعد خمسة أشهر من رحيل خوارزم شاه عنها وحصروها، فقاتلوا العسكر المرابط بها ثلاثة أيام قتالا متتابعا، فلم يكن للعسكر الخوارزمي بهم قوة، ففتحوا أبواب المدينة ليلا، وخرجوا بأجمعهم عائدين إلى خراسان فأصبح أهل بخارى وليس عندهم من العسكر أحد أصلا، فضعفت نفوسهم، فأرسلوا قاضى بخارى (1) ليطلب الأمان للرعية فأعطاه التتار الأمان، وقد كان بقي في قلعة بخارى خاصة طائفة من عسكر خوارزم شاه معتصمون بها. فلما رأى أهل بخارى بذلهم للأمان فتحوا أبواب المدينة، وذلك في رابع ذي الحجة من سنة ست عشرة وستمائة فدخل التتار (2) بخارى، ولم يتعرضوا لأحد من الرعية بل قالوا لهم: كل ما لخوارزم شاه عندكم من وديعة أو ذخيرة أخرجوه إلينا وساعدونا على قتال من بالقلعة ولا بأس عليكم. وأظهروا فيهم العدل وحسن السيرة ودخل جنكزخان بنفسه إلى البلد، وأحاط بالقلعة، ونادى مناديه في البلدان: لا يتخلف أحد، ومن تخلف قتل. فحضر الناس بأسرهم، فأمرهم بطم الخندق فطموه بالأخشاب والأحطاب والتراب، ثم زحفوا نحو القلعة وكان عدة من بها من الجند الخوارزمية أربعمائة إنسان، فبذلوا جهدهم، ومنعوا القلعة عشرة أيام إلى أن وصل النقابون إلى سور القلعة، فنقبوه ودخلوا القلعة، فقتلوا كل من بها من الجند وغيرهم.