محل أوليائه، وسألوه أن يفردهم ناحية، ولا يخلطهم بعسكره، ليظهر من حسن جهادهم بين يديه، وخلوص نياتهم في الحرب، ونكايتهم في العدو وما يعرف به طاعتهم، وإقلاعهم عما كانوا عليه من جهلهم.
فأجابهم إلى ذلك، وعرفهم حسن ما ظهر له من طاعتهم فخرجوا من عنده مبتهجين بما أجيبوا به من حسن القول وجميل الوعد.
* * * قال أبو جعفر: ثم استعد أبو أحمد ورتب جيشه، ودخل إلى عسكر الناجم بشرقي نهر أبى الخصيب في خمسين ألف مقاتل، من البر والبحر، فرسانا ورجالة، يكبرون ويهللون ويقرأون القرآن، ولهم ضجيج وأصوات هائلة. فرأى الناجم منهم ما هاله، وتلقاهم بنفسه وجيشه، وذلك في ذي القعدة سنة تسع وستين ومائتين.
واشتبكت الحرب، وكثر القتل والجراح، وحامى الزنج عن صاحبهم وأنفسهم أشد محاماة، واستماتوا، وصبر أصحاب أبي أحمد، وصدقوا القتال، فمن الله عليهم بالنصر، وانهزم الزنج، وقتل منهم خلق عظيم، وأسر منهم أسرى كثيرة، فضرب أبو أحمد أعناق الأسارى في المعركة، وقصد بنفسه دار الناجم، فوافاها وقد لجأ الناجم إليها، ومعه أنجاد أصحابه للمدافعة عنه.
فلما لم يغنوا شيئا أسلموها، وتفرقوا عنها، ودخلها غلمان الموفق، وبها بقايا ما كان سلم له من مال وأثاث، فأخذوه وانتهبوه، وأخذوا حرمه وولده الذكور والإناث، وتخلص الناجم بنفسه، ومضى هاربا نحو دار علي بن أبان المهلبي، لا يلوي على أهل ولا ولد ولا مال، وأحرقت داره، وحمل أولاده ونساؤه إلى الموفقية في التوكيل، وقصد أصاب أبى أحمد دار المهلبي، وقد لجأ إليها الناجم وأكثر الزنج، وتشاغل أصحاب أبي أحمد بنهب