شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٩٥
وانتهوا إلى أبعد من المواضع التي كانوا وصلوا إليها في المرة التي قبلها، فتراجعت إليهم الزنج، وخرج عليهم كمناؤهم من نواح يهتدون إليها، ولا يعرفها جيش أبى أحمد فتحير جيش أبى أحمد، فقتل منهم خلق كثير، وأصاب الزنج منهم أسلحه وأسلابا، وأقام ثلاثون ديلميا من أصحاب أبي أحمد يدافعون عن الناس ويحمونهم، حتى خلص إلى السفن من خلص، وقتلت الديالمة عن آخرها، وعظم على الناس ما أصابهم في هذا اليوم، وانصرف أبو أحمد إلى مدينته الموفقية فجمع قواده، وعذلهم على ما كان منهم من مخالفة أمره، والافساد عليه في رأيه وتدبيره، وتوعدهم بأغلظ العقوبة إن عادوا لمثل ذلك، وأمر بإحصاء المقتولين من أصحابه، فأتى بأسمائهم، فأقر ما كان جاريا لهم على أولادهم وأهاليهم، فحسن موقع ذلك، وزاد في صحة نيات أصحابه، لما رأوا من حياطته خلف من أصيب في طاعته.
قال أبو جعفر: وشرع أبو أحمد في قطع الميرة عن مدينة الناجم من جميع الجهات، وقد كان يجلب إليهم من السمك الشئ العظيم من مواضع كثيرة، فمنع ذلك عنهم، وقتل القوم الذين كانوا يجلبونه، وأخذت عليهم الطرق، وانسد عليهم كل مسلك كان لهم، وأضر بهم الحصار، وأضعف أبدانهم وطالت المدة فكان الأسير منهم يؤسر، والمستأمن يستأمن، فيسأل عن عهده بالخبز (1)، فيقول: مذ سنة أو سنتين، واحتاج من كان منهم مقيما في؟ مدينة الناجم إلى الحيلة لقوته، فتفرقوا في الأنهار النائية عن عسكرهم طلبا للقوت، وكثرت الأسارى منهم في عسكر أبى أحمد، لأنه كان يلتقطهم بأصحابه يوما فيوما، فأمر باعتراضهم (2) لما رأى كثرتهم، فمن كان منهم ذا قوة وجلد ونهوض بالسلاح من عليه وأحسن إليه، وخلطه بغلمانه السودان، وعرفهم مالهم عنده من البر والاحسان ومن كان منهم ضعيفا لا حراك به، أو شيخا فانيا لا يطيق حمل السلاح، أو مجروحا جراحة قد أزمنته، أمر بأن يكسى ثوبين، ويوصل بدارهم، ويزود ويحمل إلى عسكر

(1) في الأصول: " بالخير "، والصواب ما أثبته من الطبري.
(2) د: " بعرضهم ".
(١٩٥)
مفاتيح البحث: القتل (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303