وانتهوا إلى أبعد من المواضع التي كانوا وصلوا إليها في المرة التي قبلها، فتراجعت إليهم الزنج، وخرج عليهم كمناؤهم من نواح يهتدون إليها، ولا يعرفها جيش أبى أحمد فتحير جيش أبى أحمد، فقتل منهم خلق كثير، وأصاب الزنج منهم أسلحه وأسلابا، وأقام ثلاثون ديلميا من أصحاب أبي أحمد يدافعون عن الناس ويحمونهم، حتى خلص إلى السفن من خلص، وقتلت الديالمة عن آخرها، وعظم على الناس ما أصابهم في هذا اليوم، وانصرف أبو أحمد إلى مدينته الموفقية فجمع قواده، وعذلهم على ما كان منهم من مخالفة أمره، والافساد عليه في رأيه وتدبيره، وتوعدهم بأغلظ العقوبة إن عادوا لمثل ذلك، وأمر بإحصاء المقتولين من أصحابه، فأتى بأسمائهم، فأقر ما كان جاريا لهم على أولادهم وأهاليهم، فحسن موقع ذلك، وزاد في صحة نيات أصحابه، لما رأوا من حياطته خلف من أصيب في طاعته.
قال أبو جعفر: وشرع أبو أحمد في قطع الميرة عن مدينة الناجم من جميع الجهات، وقد كان يجلب إليهم من السمك الشئ العظيم من مواضع كثيرة، فمنع ذلك عنهم، وقتل القوم الذين كانوا يجلبونه، وأخذت عليهم الطرق، وانسد عليهم كل مسلك كان لهم، وأضر بهم الحصار، وأضعف أبدانهم وطالت المدة فكان الأسير منهم يؤسر، والمستأمن يستأمن، فيسأل عن عهده بالخبز (1)، فيقول: مذ سنة أو سنتين، واحتاج من كان منهم مقيما في؟ مدينة الناجم إلى الحيلة لقوته، فتفرقوا في الأنهار النائية عن عسكرهم طلبا للقوت، وكثرت الأسارى منهم في عسكر أبى أحمد، لأنه كان يلتقطهم بأصحابه يوما فيوما، فأمر باعتراضهم (2) لما رأى كثرتهم، فمن كان منهم ذا قوة وجلد ونهوض بالسلاح من عليه وأحسن إليه، وخلطه بغلمانه السودان، وعرفهم مالهم عنده من البر والاحسان ومن كان منهم ضعيفا لا حراك به، أو شيخا فانيا لا يطيق حمل السلاح، أو مجروحا جراحة قد أزمنته، أمر بأن يكسى ثوبين، ويوصل بدارهم، ويزود ويحمل إلى عسكر