خالية من معاني الخلافة، لا أمر له ولا نهى، ولا حل ولا عقد، وأبو أحمد هو الذي يرتب الوزراء والكتاب، ويقود القواد، ويقطع الاقطاع، ولا يراجع المعتمد في شئ من الأمور أصلا، فاتصل به خبر المعتمد في شخوصه عن سامراء، وقصده ابن طولون، فكاتب إسحاق بن كنداحيق وهو يومئذ على الموصل والجزيرة، فأمره أن يعترض المعتمد، ويقبض عليه وعلى القواد والموالي الذين معه ويعيدهم إلى سامراء، وكتب لإسحاق بإقطاعه ضياع أولئك القواد والموالي بأجمعهم، فاعترضهم إسحاق، وقد قربوا من الرقة، فأخذهم وقبض عليهم، وقيدهم بالقيود الثقيلة ودخل على المعتمد فعنفه، وهجنه وعذله في شخوصه عن دار ملكه وملك آبائه، ومفارقة أخيه على الحال التي هو بها، وحرب من يحاول قتله، وقتل أهل بيته وزوال ملكهم.
ثم حملهم في قيودهم حتى وافى بهم سامراء، فأقر المعتمد على خلافته، ومنعه عن الخروج، وأرسل أبو أحمد ابنه هارون، وكاتبه صاعد بن مخلد من الموفقية إلى سامراء فخلعا على ابن كنداحيق، خلعا جليلة، وقلد بسيفين من ذهب، ولقب ذا السيفين، وهو أول من قلد بسيفين، ثم خلع عليه بعد ذلك بيوم قباء ديباج أسود، ووشاحين مرصعين بالجوهر الثمين، وتوج بتاج من ذهب مرصع بنفيس الجوهر، وقلد سيفا من ذهب مرصع بالجواهر العظيمة، وشيعه إلى منزله هارون وصاعد، وقعدا على طعامه، كل ذلك مكافأة له عن صنيعه في أمر المعتمد. فليعجب المتعجب من همة الموفق أبى أحمد، وقوة نفسه، وشدة شكيمته! أن يكون بإزاء ذلك العدو، ويقتل من أصحابه كل وقت من يقتل، ثم يصاب ولده بسهم، ويصاب هو بسهم آخر في صدره يشارف منه على الموت، ويحدث من أخيه وهو الخليفة ما يحدث، ولا تنكسر نفسه ولا يهي عزمه، ولا تضعف قوته. وبحق