شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٠٥
وكبس عسكر الناجم سحرا، فأوقع بهم وهم غارون، فقتل منهم مقتلة عظيمة واسر جمعا من قواد الزنج وانصرف بهم إلى الموفق وذعر الزنج من شبل وما فعله، فامتنعوا من النوم وخافوا خوفا شديدا، فكانوا يتحارسون بعد ذلك في كل ليلة، ولا تزال النفرة تقع في عسكرهم، لما استشعروا من الخوف، ووصل إلى قلوبهم من الوحشة حتى لقد كان ضجيجهم وتحارسهم يسمع بالموفقية.
وصح عزم الموفق على العبور لمحاربة الناجم في الجانب الشرقي من نهر أبى الخصيب، فجلس مجلسا عاما، وأمر بإحضار قواد المستأمنة ووجوه فرسانهم ورجالتهم من الزنج والبيضان فأدخلوا إليه فخطبهم وعرفهم ما كانوا عليه من الضلالة والجهل، وانتهاك المحارم، وما كان صاحبهم زينة لهم من معاصي الله سبحانه، وأن ذلك قد كان أحل له دماءهم وأنه قد غفر الزلة وعفا عن العقوبة، وبذل الأمان، وعاد على من لجأ إليه بالفضل والاحسان. فأجزل الصلات، وأسنى الأرزاق، وألحقهم بالأولياء وأهل الطاعة، وأن ما كان منه من ذلك يوجب عليهم حقه وطاعته، وأنهم لن يأتوا بشئ يتعرضون به لطاعة ربهم، والاستدعاء لرضا سلطانهم أولى بهم من الجد في مجاهدة الناجم وأصحابه، وأنهم من الخبرة بمسالك عسكر الناجم ومضايق طرق مدينته، والمعاقل التي أعدها للحرب على ما ليس عليه غيرهم، فهم أحرى أن يمحضوه نصحهم، ويجهدوا على الولوج إلى الناجم، والتوغل إليه في حصونه، حتى يمكنهم الله منه ومن أشياعه، فإذا فعلوا ذلك فلهم الاحسان والمزيد، ومن قصر منهم استدعى من سلطانه إسقاط حاله، وتصغير منزلته ووضع مرتبته.
فارتفعت أصواتهم جميعا بالدعاء للموفق والاقرار بإحسانه، وبما هم عليه من صحة الضمائر من السمع والطاعة والجد في مجاهدة عدوه، وبذل دمائهم ومهجهم في كل ما يقربهم منه، وأن ما دعاهم إليه قد قوى مننهم، ودلهم على ثقته بهم، وإحلاله إياهم
(٢٠٥)
مفاتيح البحث: القتل (2)، الجهل (1)، الخوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303