أهل بغداد لما أدخل إليهم رأس الناجم بين يدي أبى العباس: ما شئتم قولوا، كان الفتح للؤلؤ.
* * * قال أبو جعفر فجمع الموفق في غد هذا اليوم قواده وهو حنق عليهم لانصرافهم عنه، وإفرادهم إياه، وكان لؤلؤ وأصحابه تولوا طلب الناجم دونهم، فعنقهم وعذلهم ووبخهم على ما كان منهم، وعجزهم وأغلظ لهم، فاعتذروا إليه بما توهموه من انصرافه، وأنهم لم يعلموا أنه قد لجج وأوغل في طلب الناجم، وأنهم لو علموا ذلك لأسرعوا نحوه.
ثم تحالفوا بين يديه، وتعاقدوا ألا يبرحوا في غد موضعهم إذا توجهوا نحو الزنج، حتى يظفرهم الله تعالى به، فإن أعياهم ذلك أقاموا حيث انتهى بهم النهار في أي موضع كان حتى يحكم الله بينهم وبينه. وسألوا الموفق أن يرد السفن إلى الموفقية، بحيث لا يطمع طامع من العسكر في الالتجاء إليها والعبور فيها.
فقبل أبو أحمد عذرهم، وجزاهم الخير عن تنصلهم، ووعدهم بالاحسان، وأمرهم بالتأهب للعبور، ثم عبر بهم على ترتيب ونظام قد أحكمه وقرره، وذلك في يوم السبت لليلتين خلتا من صفر من سنة سبعين ومائتين، وقد كان الناجم عاد من تلك الأنهار إلى معسكره بعد انصراف الجيش عنه فأقام به، وأمل أن تتطاول به وبهم الأيام (1)، وتندفع عنه المناجزة فلقيه في هذا اليوم سرعان (2) العسكر، وهم مغيظون محنقون من التقريع والتوبيخ اللاحقين بهم بالأمس، فأوقعوا به وبأصحابه وقعة شديدة، أزالوهم عن مواقفهم، فتفرقوا لا يلوي بعضهم على بعض، واتبعهم الجيش يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم، وانقطع