آخر نهار هذا اليوم، وعرضت له علة أقام فيها بقية شعبان وشهر رمضان، وأياما من شوال ممسكا عن حرب الزنج، إلى أن استبل من علته.
قال أبو جعفر: فلما أحرقت دار الناجم ودور أصحابه وشارف أن يؤخذ وعرضت لأبي أحمد هذه العلة، فأمسك فيها عن الحرب، انتقل الناجم من مدينته التي بناها بغربي نهر أبى الخصيب إلى شرقيه إلى منزل وعر لا يخلص إليه أحد لاشتباك القصب والأدغال والأحطاب فيه، وعليه خنادق من أنهار قاطعة معترضة فقطن هناك في خواصه، ومن تخلف معه من جلة أصحابه وثقاته، ومن بقي في نصرته من الزنج، وهم حدود عشرين ألف مقاتل، وانقطعت الميرة عنهم، وبان للناس ضعف أمرهم، فتأخر الجلب الذي كان يصل إليهم، فبلغ الرطل من خبز البر عندهم عشرة دراهم، فأكلوا الشعير، ثم أكلوا أصناف الحبوب، ثم لم يزل الامر كذلك إلى أن كانوا يتتبعون الناس، فإذا خلا أحد منهم بصبي أو امرأة أو رجل ذبحوه وأكلوه، ثم صار قوى الزنج يعدو على ضعيفهم، فإذا خلا به ذبحه وأكل لحمه، ثم ذبحوا أولادهم، فأكلوا لحومهم، وكان الناجم لا يعاقب أحدا ممن فعل شيئا من ذلك إلا بالحبس، وإذا تطاول حبسه أطلقه.
ولما أبل الموفق من علته، وعلم انتقال الناجم إلى شرقي نهر أبى الخصيب واعتصامه به، أعمل فكره في تخريب الجانب الشرقي عليه، كما فعل بالجانب الغربي، ليتمكن من قتله أو أسره، فكانت له آثار عظيمة من قطع الأدغال والدحال (1) وسد الأنهار، وطم الخنادق، وتوسيع المسالك وإحراق الأسوار المبنية، وإدخال الشذا وفيها المقاتلة إلى حريم الناجم، وفي كل ذلك يدافع الزنج عن أنفسهم بحرب شديدة، وقتال عظيم تذهب فيها النفوس، وتراق فيها الدماء، وكان الظفر في ذلك كله لأبي أحمد وأمر الزنج يزداد ضعفا