وطالت الأيام على ذلك إلى أن استأمن سليمان بن موسى الشعراني، وهو من عظمائهم، وقد تقدم ذكره، فوجه يطلب الأمان من أبى أحمد، فمنعه ذلك لما كان سلف منه من العيث وسفك الدماء بنواحي واسط.
ثم اتصل بأبي احمد أن جماعة من رؤساء الزنج قد استوحشوا لمنعه الشعراني من الأمان، فأجاب إلى إعطائه الأمان استصلاحا بذلك غيره من رؤساء الزنج، وأمر بتوجيه الشذا إلى موضع وقع الميعاد عليه، فخرج سليمان الشعراني وأخوه، وجماعة من قواده، فنزلوا، الشذا فصاروا إلى أبى العباس، فحملهم إلى أبى أحمد، فخلع على سليمان ومن معه، وحمله على عدة أفراس بسروجها وآلتها، وأنزل له ولأصحابه أنزالا سنية، ووصله بمال جليل، ووصل أصحابه وضمه وضمهم إلى أبى العباس، وأمر بإظهاره وإظهارهم في الشذا لأصحاب الناجم، ليزدادوا ثقة بأمانته، فلم تبرح الشذا ذلك اليوم من موضعها، حتى استأمن جمع كثير من قواد الزنج، فوصلوا وألحقوا بإخوانهم في الحباء والبر والخلع، والجوائز: فلما استأمن الشعراني اختل ما كان الناجم قد ضبطه به من مؤخر عسكره، وقد كان جعله على مؤخر نهر أبى الخصيب، فوهى أمره وضعف، وقلد ما كان سليمان يتولاه القائد المعروف بشبل بن سالم، وهو من قوادهم المشهورين، فلم يمس أبو أحمد حتى وافاه رسول شبل ابن سالم يطلب الأمان، ويسأل أن يوقف له شذوات عند دار ابن سمعان، ليكون قصده في الليل إليها، ومعه من يثق به من أصحابه، فأجيب إلى سؤاله، ووافى آخر الليل ومعه عياله وولده، وجماعة من قواده، فصاروا إلى أبى أحمد فوصله بصلة جليلة، وخلع عليه خلعا كثيرة وحمله على عدة أفراس بسروجها وآلتها، ووصل أصحابه، وخلع عليهم، وأحسن إليهم، وأرسله في الشذوات، فوقفوا بحيث يراهم الناجم وأصحابه نهارا، فعظم ذلك عليه وعلى أوليائه، وأخلص شبل في مناصحة أبى أحمد، فسأل أن يضم إليه عسكرا يبيت به عسكر الناجم، ويسلك إليه من مسالك يعرفها هو ولا يعرفها أصحاب أبي أحمد، ففعل