شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٩٢
الركن، وبينه وبينهم النهر المعروف بنهر الأتراك وهو نهر عريض غزير الماء، فلما انتهوا إليه أحجموا عنه، فصيح بهم، وحرضوا على العبور، فعبروه سباحة، والزنج ترميهم بالمجانيق والعرادات والمقاليع والحجارة عن الأيدي، والسهام عن قسى اليد، وقسى الرجل، وصنوف الآلات التي يرمى عنها، فصبروا على جميع ذلك حتى جاوزوا النهر وانتهوا إلى السور، ولم يكن لحقهم من الفعلة من كان أعده لهدمه فتولى الغلمان تشعيث السور بما كان معهم من السلاح، ويسر الله تعالى ذلك وسهلوا لأنفسهم السبيل إلى علوه، وحضرهم بعض السلاليم التي كانت اتخذت لذلك، فعلوا الركن ونصبوا عليه علما عليه مكتوب " الموفق بالله "، وأكبت عليهم الزنج فحاربوا أشد حرب، وقتل من قواد أبى أحمد القائد المعروف بثابت الأسود، رمى بسهم في بطنه فمات، وكان من جلة القواد، وأحرق أصحاب الموفق ما على ذلك الركن من المنجنيقات والعرادات.
وقصد أبو العباس بأصحابه جهة أخرى من جهات المدينة ليدخلها من النهر المعروف بمنكى، فعارضه علي بن أبان في جمع من الزنج فظهر أبو العباس عليه، وهزمه وقتل قوما من أصحابه، وأفلت علي بن أبان المهلبي راجعا، وانتهى أبو العباس إلى نهر منكى وهو يرى أن المدخل من ذلك الموضع سهل، فوصل إلى الخندق، فوجده عريضا منيعا، فحمل أصحابه أن يعبروه فعبروه، وعبرته الرجالة سباحة ووافوا السور فثلموا منه ثلمة واتسع لهم دخولها فدخلوا فلقى أولهم سليمان بن جامع وقد أقبل للمدافعة عن تلك الناحية، فحاربوه وكشفوه، وانتهوا إلى النهر المعروف بابن سمعان، وهو نهر سيق بالمدينة، وصارت الدار المعروفة يدار ابن سمعان في أيديهم، فأحرقوا ما كان فيها وهدموها.
فوقفت الزنج على نهر ابن سمعان، وقوفا طويلا ودافعوا مدافعة شديدة، وشد بعض موالي الموفق على علي بن أبان فأدبر عنه هاربا فقبض على مئزره، فحل على المئزر ونبذه إلى الغلام، ونجا بعد أن أشرف على الهلكة، وحمل أصحاب أبي أحمد على الزنج فكشفوهم
(١٩٢)
مفاتيح البحث: الحرب (1)، الهلاك (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303