شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٩٩
إلى هدم سور مدينة الناجم، وتوسعة الطريق والمسالك لأصحابه في دخولها، فندب القواد لذلك، وندب الناجم قواده للمدافعة عنها، وطال الأمد، وتمادت الأيام.
فلما رأى أبو أحمد تحاشد الزنج وتعاونهم على المنع من هدم السور، أزمع على مباشرة ذلك بنفسه، وحضوره إياه، ليستدعي بذلك جد أصحابه واجتهادهم، ويزيد في عنايتهم وهممهم، فحضر بنفسه، واتصلت الحرب، وغلظت على الفريقين، وكثر القتل والجراح في الحزبين، وأقام أبو أحمد أياما كثيرة يغاديهم الحرب ويراوحهم، فكانوا لا يفترون يوما من الأيام وصعب على أصحاب أبي أحمد ما كانوا يرومونه، واشتدت حماية الزنج عن مدينتهم، وباشر الناجم الحرب بنفسه، ومعه نخبة أصحابه وأبطالهم، والمؤمنون أنفسهم على الصبر معه فحاموا جهدهم حتى، لقد كانوا يقفون الموقف فيصيب أحدا منهم السهم أو الطعنة أو الضربة فيسقط فيجذبه الذي إلى جانبه، فينحيه ويقف موقفه إشفاقا من أن يخلو موقف رجل منهم، فيدخل الخلل عليهم.
واتفق في بعض الأيام شدة ضباب ستر بعض الناس عن بعض، فما يكاد الرجل يبصر صاحبه، وظهر أصحاب أبي أحمد، ولاحت تباشير الفتح، ودخل الجند إلى المدينة وولجوها، وملكوا مواضع منها، وإنهم لعلى ذلك، حتى وصل سهم من سهام الزنج إلى أبى أحمد، رماه به رومي كان مع الناجم، يقال له قرطاس، فأصابه في صدره وذلك لخمس بقين من جمادى الأولى سنة تسع وستين ومائتين. فستر أبو أحمد وخواصه ما ناله من ذلك عن الناس، وانصرف إلى الموفقية آخر نهار يومه هذا، فعولج في ليلته تلك وشدت الجراحة، وغدا على الحرب على ما ناله من ألمها ليشد بذلك قلوب أصحابه من أن يدخلها وهن أو ضعف، فزاد في قوة علته، بما حمل على نفسه من الحركة، فغلظت وعظم أمرها، حتى خيف عليه العطب، واحتاج إلى علاج نفسه بأعظم ما يعالج به الجراح، واضطرب لذلك
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303