إلى هدم سور مدينة الناجم، وتوسعة الطريق والمسالك لأصحابه في دخولها، فندب القواد لذلك، وندب الناجم قواده للمدافعة عنها، وطال الأمد، وتمادت الأيام.
فلما رأى أبو أحمد تحاشد الزنج وتعاونهم على المنع من هدم السور، أزمع على مباشرة ذلك بنفسه، وحضوره إياه، ليستدعي بذلك جد أصحابه واجتهادهم، ويزيد في عنايتهم وهممهم، فحضر بنفسه، واتصلت الحرب، وغلظت على الفريقين، وكثر القتل والجراح في الحزبين، وأقام أبو أحمد أياما كثيرة يغاديهم الحرب ويراوحهم، فكانوا لا يفترون يوما من الأيام وصعب على أصحاب أبي أحمد ما كانوا يرومونه، واشتدت حماية الزنج عن مدينتهم، وباشر الناجم الحرب بنفسه، ومعه نخبة أصحابه وأبطالهم، والمؤمنون أنفسهم على الصبر معه فحاموا جهدهم حتى، لقد كانوا يقفون الموقف فيصيب أحدا منهم السهم أو الطعنة أو الضربة فيسقط فيجذبه الذي إلى جانبه، فينحيه ويقف موقفه إشفاقا من أن يخلو موقف رجل منهم، فيدخل الخلل عليهم.
واتفق في بعض الأيام شدة ضباب ستر بعض الناس عن بعض، فما يكاد الرجل يبصر صاحبه، وظهر أصحاب أبي أحمد، ولاحت تباشير الفتح، ودخل الجند إلى المدينة وولجوها، وملكوا مواضع منها، وإنهم لعلى ذلك، حتى وصل سهم من سهام الزنج إلى أبى أحمد، رماه به رومي كان مع الناجم، يقال له قرطاس، فأصابه في صدره وذلك لخمس بقين من جمادى الأولى سنة تسع وستين ومائتين. فستر أبو أحمد وخواصه ما ناله من ذلك عن الناس، وانصرف إلى الموفقية آخر نهار يومه هذا، فعولج في ليلته تلك وشدت الجراحة، وغدا على الحرب على ما ناله من ألمها ليشد بذلك قلوب أصحابه من أن يدخلها وهن أو ضعف، فزاد في قوة علته، بما حمل على نفسه من الحركة، فغلظت وعظم أمرها، حتى خيف عليه العطب، واحتاج إلى علاج نفسه بأعظم ما يعالج به الجراح، واضطرب لذلك