الناجم، فيلقى هناك بعد أن يوصى (1) بوصف ما عاين من إحسان أبى أحمد إلى كل من يصير إليه، وأن ذلك رأيه في جميع من يأتيه مستأمنا، أو يأسره، فتهيأ له بذلك ما أراد من استمالة الزنج، حتى استشعروا الميل إلى ناحيته، والدخول في سلمه وطاعته.
* * * قال أبو جعفر: ثم كانت الوقعة التي قتل فيها بهبوذ (2) الزنجي القائد وجرح أبو العباس، وذلك أن بهبوذ كان أكثر أصحاب الناجم غارات، وأشدهم تعرضا لقطع السبل، وأخذ الأموال، وكان قد جمع من ذلك لنفسه مالا جليلا، وكان كثير الخروج في السميريات الخفاف فيخترق بها الأنهار المؤدية إلى دجلة، فإذا صادف سفينة لأصحاب أبى أحمد أخذها واستولى على أهلها، وأدخلها النهر الذي خرج منه، فإن تبعه تابع حتى توغل في طلبه، خرج عليه من ذلك النهر قوم من أصحابه، قد أعدهم لذلك، فأقطعوه وأوقعوا به.
فوقع التحرز حينئذ منه، والاستعداد لغاراته، فركب شذاة، وشبهها بشذوات أبى أحمد، ونصب عليها علما مثل أعلامه، وسار بها ومعه كثير من الزنج، فأوقع بكثير من أصحاب أبي أحمد، وقتل وأسر. فندب له أبو أحمد ابنه أبا العباس في جمع كثيف، فكانت بينهما وقعة شديدة، ورمى فيها أبو العباس بسهم فأصابه، وأصابت بهبوذ طعنة في بطنه من يد غلام من بعض سميريات أبى العباس، فهوى إلى الماء، فابتدره أصحابه فحملوه ورجعوا به إلى عسكر الناجم، فلم يصلوا به إلا وهو ميت، فعظمت الفجيعة به على الناجم وأوليائه، واشتد عليه جزعهم، وخفى موته على أبى أحمد حتى استأمن إليه رجل من الملاحين، فأخبره بذلك فسر، وأمر بإحضار الغلام الذي طعنه، فوصله وكساه وطوقه، وزاد في رزقه.
وأمر لجميع من كان في تلك السميرية بصلات وخلع، وعولج أبو العباس من جرحه مدة حتى برأ، وأقام أبو أحمد في مدينته الموفقية ممسكا عن حرب الزنج، محاصرا لهم