من فرسان الزنج وشجعانهم، فأتى به إلى أبى أحمد وقت إفطاره فأعلمه أنه جاء راغبا في الطاعة والأمان، وأن الزنج على العبور في ساعتهم تلك إلى عسكره للبيات، وأن المندوبين لذلك أنجادهم وأبطالهم، فأمر أبو أحمد أبا العباس ابنه أن ينهض إليهم في قواد عينهم له، فنهضوا فلما أحس ذلك الجيش بأنهم قد نذروا بهم، وعرفوا استئمان صاحبهم، رجعوا إلى مدينتهم.
* * * قال أبو جعفر: ثم إن الناجم ندب أجل قواده وأكبرهم قدرا عنده، وهو على ابن أبان المهلبي وانتخب له أهل البأس والجلد، وأمره أن يبيت عسكر أبى أحمد، فعبر في زهاء خمسة آلاف رجل، أكثرهم الزنج وفيهم نحو مائتي قائد من مذكور يهم وعظمائهم، فعبر ليلا إلى شرقي دجلة، وعزموا على أن يفترقوا قسمين: أحدهما خلف عسكر أبى أحمد والثاني أمامه، ويغير الذين أمامه على أصحاب أبي أحمد، فإذا ثاروا إليهم، واستعرت الحرب أكب أولئك الذين من وراء العسكر على من يليهم، وهم مشاغيل بحرب من بإزائهم، وقدر الناجم وعلي بن أبان أن يتهيأ لهما من ذلك ما أحبا، فاستأمن منهم إلى أبى أحمد غلام كان معهم من الملاحين ليلا، فأخبره خبرهم، وما اجتمعت عليه آراؤهم، فأمر ابنه أبا العباس والغلمان والقواد بالحذر والاحتياط والجد، وفرقهم في الجهتين المذكورتين.
فلما رأى الزنج أن تدبيرهم قد انتقض، وأنه قد فطن لهم ونذر بهم، كروا راجعين في الطريق الذي أقبلوا فيه، طالبين التخلص. فسبقهم أبو العباس ولزيرك إلى فوهة النهر ليمنعوهم من عبوره، وأرسل أبو أحمد غلامه الأسود الزنجي الذي يقال له ثابت - وكان له قيادة على السودان الذين بعسكر الموفق - فأمره أن يعترضهم، ويقف لهم في طريقهم