فذكر عن صاحب الزنج أنه قال: ميلت (1) بين عبادان والأبلة، فملت إلى التوجه إلى عبادان فندبت الرجال إلى ذلك، فخوطبت وقيل لي: إن أقرب عدو دارا، وأولاه ألا يتشاغل عنه بغيره أهل الأبلة، فرددت بالجيش الذي كنت سيرته نحو عبادان إلى الأبلة، ولم يزالوا يحاربون (2) أهلها إلى أن اقتحموها وأضرموها نارا، وكانت مبنية بالساج بناء متكاثفا، فأسرعت فيها النار، ونشأت ريح عاصف، فأطارت شرر ذلك الحريق إلى أن انتهى إلى شط عثمان، وقتل بالأبلة خلق كثير، وحويت الأسلاب والأموال، على أن الذي أحرق منها كان أكثر مما انتهب، واستسلم أهل عبادان بعدها لصاحب الزنج فإن قلوبهم ضعفت وخافوه على أنفسهم وحرمهم، فأعطوا بأيديهم، وسلموا إليه بلدهم، فدخلها أصحابه، فأخذوا من كان فيها من العبيد، وحملوا ما كان فيها من السلاح، ففرقه على أصحابه، وصانعه أهلها بمال كف به عنهم.
* * * قال أبو جعفر: ثم دخل الزنج بعد عبادان إلى الأهواز ولم يثبت لهم أهلها، فأحرقوا ما فيها، وقتلوا ونهبوا، وأخربوا، فكان بالأهواز إبراهيم بن محمد المدبر الكاتب، إليه خراجها (3) وضياعها، فأسروه بعد أن ضربوه ضربة على وجهه، وحووا كل ما كان يملكه من مال وأثاث ورقيق وكراع، واشتد خوف أهل البصرة وانتقل كثير ما أهلها عنها، وتفرقوا في بلاد شتى وكثرت الأراجيف من عوامها.
* * *