كثرة ذلك الجمع، وجعلت أومى إليه أن أسكت (1)، فلما قرب القوم منى قلت: اللهم إن هذه ساعة العسرة فأعني، فرأيت طيورا بيضا أقبلت فتلقت ذلك الجمع، فلم أستتم دعائي حتى بصرت بسميرية (2) من سفنهم قد انقلبت بمن فيها، فغرقوا، ثم تلتها، الشذا فغرقت واحدة بعد واحدة وثار أصحابي إلى القوم، وخرج الكمينان من جنبي النهر، وصاحوا وخبطوا الناس، فغرقت طائفة، وقتلت طائفة، وهربت طائفة نحو الشط طمعا، فأدركها السيف، فمن ثبت قتل، ومن رجع إلى الماء غرق، حتى أبيد أكثر ذلك الجمع، ولم ينج منهم إلا الشريد، وكثر المفقودون بالبصرة، وعلا العويل من نسائهم.
* * * قال أبو جعفر: وهذا يوم الشذا الذي ذكره الناس في أشعارهم، وعظموا ما فيه من القتل، فكان ممن قتل من بني هاشم، جماعة من ولد جعفر بن سليمان (3) وانصرف صاحب الزنج (4) وجمع الرؤوس وملأ بها سفنا، وأخرجها من النهر المعروف بأم حبيب في الجزر وأطلقها، فوافت البصرة، فوقفت في مشرعة تعرف بمشرعة القيار، فجعل الناس يأتون تلك الرؤوس، فيأخذ رأس كل رجل أولياؤه، وقوى صاحب الزنج بعد هذا اليوم، وسكن الرعب قلوب أهل البصرة منه، وأمسكوا عن حربه، وكتب إلى السلطان بخبره، فوجه جعلان التركي مددا لأهل البصرة، في جيش ذوي عدة وأسلحة (5).