شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٥٤
القوم قد غشوك ورهقوك، وانهزم الزنج من بين أيديهم، وليس، في وجوههم من يردهم، فانظر لنفسك، فإنهم قد انتهوا إليك (1) فصاح به وانتهره وقال: اغرب (2) عنى فإنك كاذب فيما حكيت، إنما ذلك جزع داخل (3) داخل قلبك لكثرة من رأيت من الجمع، فانخلع قلبك، فلست تدرى ما تقول!
فخرج أبو دلف من بين يديه وأقبل يكتب، وقال لجعفر بن إبراهيم السجان ناد في الزنج، وحركهم للخروج إلى موضع الحرب، فقال له: إنهم قد خرجوا، وقد ظفروا بسميريتين من سفن أصحاب السلطان، فأمره بالرجوع لتحريك الرجالة، وكان من القضاء والقدر أن أصيب مفلح - وهو القائد الجليل، المرشح لقيادة الجيش بعد أبي أحمد - بسهم غرب (4) لا يدرى من رماه، فمات لوقته، ووقعت الهزيمة على أصحاب أبي أحمد، وقوى الزنج على حربهم، فقتلوا منهم جمعا كثيرا، ووافى علي بن محمد زنجه بالرؤوس قابضين عليها بأسنانهم حتى ألقوها بين يديه، فكثرت الرؤوس يومئذ حتى ملأت الفضاء وجعل الزنج يقتسمون لحوم القتلى ويتهادونها بينهم، وأتى بأسير من الجيش فسأله عن رأس العسكر، فذكر أبا أحمد ومفلحا، فارتاع لذكر أبى أحمد، وكان إذا راعه أمر كذب به، وقال: ليس في الجيش إلا مفلح، لأني لست أسمع الذكر إلا له، ولو كان في الجيش من ذكر هذا الأسير لكان صوته أبعد، ولما كان مفلح إلا تابعا له، ومضافا إليه (5).
قال أبو جعفر: وقد كان قبل أن يصيب السهم مفلحا، انهزم الزنج لما خرج عليهم

(1) الطبري: " إلى الحبل الرابع ".
(2) في الأصول: " أعزب "، وما أثبته من الطبري.
(3) الطبري: " دخلك ".
(4) يقال: أصابه سهم غرب، بالإضافة أو الوصف، أي لا يدرى راميه.
(5) الطبري: " إلى صحبته ".
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303