القوم قد غشوك ورهقوك، وانهزم الزنج من بين أيديهم، وليس، في وجوههم من يردهم، فانظر لنفسك، فإنهم قد انتهوا إليك (1) فصاح به وانتهره وقال: اغرب (2) عنى فإنك كاذب فيما حكيت، إنما ذلك جزع داخل (3) داخل قلبك لكثرة من رأيت من الجمع، فانخلع قلبك، فلست تدرى ما تقول!
فخرج أبو دلف من بين يديه وأقبل يكتب، وقال لجعفر بن إبراهيم السجان ناد في الزنج، وحركهم للخروج إلى موضع الحرب، فقال له: إنهم قد خرجوا، وقد ظفروا بسميريتين من سفن أصحاب السلطان، فأمره بالرجوع لتحريك الرجالة، وكان من القضاء والقدر أن أصيب مفلح - وهو القائد الجليل، المرشح لقيادة الجيش بعد أبي أحمد - بسهم غرب (4) لا يدرى من رماه، فمات لوقته، ووقعت الهزيمة على أصحاب أبي أحمد، وقوى الزنج على حربهم، فقتلوا منهم جمعا كثيرا، ووافى علي بن محمد زنجه بالرؤوس قابضين عليها بأسنانهم حتى ألقوها بين يديه، فكثرت الرؤوس يومئذ حتى ملأت الفضاء وجعل الزنج يقتسمون لحوم القتلى ويتهادونها بينهم، وأتى بأسير من الجيش فسأله عن رأس العسكر، فذكر أبا أحمد ومفلحا، فارتاع لذكر أبى أحمد، وكان إذا راعه أمر كذب به، وقال: ليس في الجيش إلا مفلح، لأني لست أسمع الذكر إلا له، ولو كان في الجيش من ذكر هذا الأسير لكان صوته أبعد، ولما كان مفلح إلا تابعا له، ومضافا إليه (5).
قال أبو جعفر: وقد كان قبل أن يصيب السهم مفلحا، انهزم الزنج لما خرج عليهم