شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ١٣٩
ليلة خلون من ذي القعدة سنة خمس وخمسين ومائتين، فلما كان يوم الاثنين جمع له أهل البصرة وحشدوا لما رأوا من ظهورهم عليه يوم الأحد، وانتدب لذلك رجل من أهل البصرة يعرف بحماد الساجي، وكان من غزاة البحر في الشذا (1)، وله علم بركوبها والحرب فيها، فجمع المطوعة ورماة الأهداف وأهل المسجد الجامع ومن خف معه من حزبي البلالية والسعدية، ومن غير هذه الأصناف من الهاشميين والقرشيين ومن يحب النظر ومشاهدة الحرب من سائر أصناف الناس، فشحن ثلاثة مراكب من الشذا (1) بالرماة، وجعل الناس يزدحمون في الشذا حرصا على حضور ذلك المشهد، ومضى جمهور الناس رجالة منهم من معه سلاح ومنهم من لا سلاح معه بل نظارة، فدخلت السفن النهر المعروف بأم حبيب، بعد زوال الشمس من ذلك اليوم في المد، ومرت الرجالة والنظارة على شاطئ النهر، قد سدوا ما ينفذ فيه البصر كثرة وتكاثفا، فوجه صاحب الزنج صاحبه زريقا وأبا الليث الأصبهاني، فجعلهم كمينا من الجانب الشرقي من نهر شيطان، وكان مقيما بموضع منه، ووجه صاحبيه شبلا وحسينا الحمامي فجعلهما كمينا في غربيه، ومع كل من الكمينين جماعة، وأمر علي بن أبان المهلبي أن يتلقى القوم فيمن بقي معه من جمعه، وأمره أن يستتر هو وأصحابه بتراسهم، ولا يثور إليهم منه ثائر، حتى يوافيهم القوم ويخالطوهم بأسيافهم فإذا فعلوا ذلك ثاروا إليهم وتقدم إلى الكمينين إذا جاوزهما الجمع، وأحسا بثورة أصحابهم إليهم أن يخرجا من جنبي النهر، ويصيحا بالناس.
وكان يقول لأصحابه بعد ذلك: لما أقبل إلى جمع البصرة وعاينته، رأيت أمرا هائلا راعني وملأ صدري رهبة وجزعا، ففزعت إلى الدعاء، وليس معي من أصحابي إلا نفر يسير منهم مصلح، وليس منا أحد إلا وقد خيل إليه مصرعه، فجعل مصلح يعجبني من

(1) الشذا: ضرب عن السفن، الواحدة شذاة، قال صاحب التهذيب: هذا معروف، لكنه ليس بعربي (اللسان).
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303