ليلة خلون من ذي القعدة سنة خمس وخمسين ومائتين، فلما كان يوم الاثنين جمع له أهل البصرة وحشدوا لما رأوا من ظهورهم عليه يوم الأحد، وانتدب لذلك رجل من أهل البصرة يعرف بحماد الساجي، وكان من غزاة البحر في الشذا (1)، وله علم بركوبها والحرب فيها، فجمع المطوعة ورماة الأهداف وأهل المسجد الجامع ومن خف معه من حزبي البلالية والسعدية، ومن غير هذه الأصناف من الهاشميين والقرشيين ومن يحب النظر ومشاهدة الحرب من سائر أصناف الناس، فشحن ثلاثة مراكب من الشذا (1) بالرماة، وجعل الناس يزدحمون في الشذا حرصا على حضور ذلك المشهد، ومضى جمهور الناس رجالة منهم من معه سلاح ومنهم من لا سلاح معه بل نظارة، فدخلت السفن النهر المعروف بأم حبيب، بعد زوال الشمس من ذلك اليوم في المد، ومرت الرجالة والنظارة على شاطئ النهر، قد سدوا ما ينفذ فيه البصر كثرة وتكاثفا، فوجه صاحب الزنج صاحبه زريقا وأبا الليث الأصبهاني، فجعلهم كمينا من الجانب الشرقي من نهر شيطان، وكان مقيما بموضع منه، ووجه صاحبيه شبلا وحسينا الحمامي فجعلهما كمينا في غربيه، ومع كل من الكمينين جماعة، وأمر علي بن أبان المهلبي أن يتلقى القوم فيمن بقي معه من جمعه، وأمره أن يستتر هو وأصحابه بتراسهم، ولا يثور إليهم منه ثائر، حتى يوافيهم القوم ويخالطوهم بأسيافهم فإذا فعلوا ذلك ثاروا إليهم وتقدم إلى الكمينين إذا جاوزهما الجمع، وأحسا بثورة أصحابهم إليهم أن يخرجا من جنبي النهر، ويصيحا بالناس.
وكان يقول لأصحابه بعد ذلك: لما أقبل إلى جمع البصرة وعاينته، رأيت أمرا هائلا راعني وملأ صدري رهبة وجزعا، ففزعت إلى الدعاء، وليس معي من أصحابي إلا نفر يسير منهم مصلح، وليس منا أحد إلا وقد خيل إليه مصرعه، فجعل مصلح يعجبني من